وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْقَوْلِ الطَّالِبِ لِلْفِعْلِ حَقِيقَةً، وَهُوَ قَوْلُك: " افْعَلْ " وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ عَلَى الْعَقْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشَّأْنِ وَالصِّفَةِ وَالْقِصَّةِ وَالْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ، عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ فَإِنَّ الْقَائِلَ لَوْ قَالَ: " أَمْرٌ " لَا يَدْرِي السَّامِعُ أَيَّ الْأُمُورِ أَرَادَ فَإِذَا قَالَ: أَمْرٌ بِكَذَا فُهِمَ الْقَوْلُ فَإِذَا قَالَ: أَمْرُ فُلَانٍ مُسْتَقِيمٌ فُهِمَ الشَّأْنُ وَالطَّرِيقَةُ، فَإِذَا قَالَ: زَيْدٌ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ فُهِمَ الْفِعْلُ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، قَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ، وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يُشْبِهُ الْقَوْلَ فِي الِافْتِقَارِ إلَى مَصْدَرٍ يَصْدُرُ بِهِ، وَهَذَا يَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جُمْلَةَ أَفْعَالِ الْإِنْسَانِ لَمَّا دَخَلَ فِيهَا الْأَقْوَالُ سُمِّيَتْ الْجُمْلَةُ بِاسْمِ جُزْئِهَا، وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ " عَنْ الْجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ " عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِفَادَةِ " حَكَى الْأَوَّلَ عَنْهُمْ، وَعَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ خَاصَّةً. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْإِفَادَةِ " عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " وَالْمَصَادِرِ " عَنْ الْأَكْثَرِينَ. وَحَكَى صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَتَبِعَهُ