ومنع مكحول وبعض أهل الشام من صلاة الخائف جملة متى تهيّأ له أن يأتي بها على وجهها، ويؤخّرها إلى أن يتمكّنوا من ذلك، واحتجّوا بتأخير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق، ولا حجة لهم فيه؛ لأن صلاة الخوف إنما شُرِعت بعد ذلك على ما تقدّم.

واختلف الذين قالوا بجواز ذلك للمطلوب في جواز ذلك للطالب، فمالك، وجماعة من أصحابه على التسوية بينهما، وقال الشافعي، والأوزاعيّ، وفقهاء أصحاب الحديث، وابن عبد الحكم: لا يصلّي الطالب إلا بالأرض.

ثم اختلفوا فيما يباح له من العمل في الصلاة، فجمهورهم على جواز كل ما يحتاج إليه في مطاردة العدوّ، وما يضطرّ إليه من ذلك من مشيٍ ونحوه، وقال الشافعيّ: إنما يجوز من ذلك الشيء اليسير، والطعنة، والضربة، فأما ما كثُر فلا تجزئه الصلاة، ونحوه عن محمد بن الحسن. انتهى (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أقرب الأقوال القول بجوازه مطلقًا، سواء كان مطلوبًا أو طالبًا على حسب الإمكان راكبًا كان، أو ماشيًا، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: قوله: "قال ابن عمر. . . إلخ" ظاهره أن هذا الكلام موقوف على ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال الحافظ في "الفتح": وقد أخرج مسلم حديث ابن عمر، من طريق سفيان الثوريّ، عن موسى بن عقبة، فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهريّ، عن سالم، وقال في آخره: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصلّ راكبًا أو قائمًا يومئ إيماءً.

ورواه ابن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة موقوفًا كله، لكن قال في آخره: وأخبرنا نافع أن عبد اللَّه بن عمر كان يخبر بهذا عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاقتضى ذلك رفعه كله.

وروى مالك في "الموطأ"، عن نافع كذلك، لكن قال في آخره: قال نافع: لا أرى عبد اللَّه بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزاد في آخره: "مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها"، وقد أخرجه البخاريّ من هذا الوجه في "تفسير سورة البقرة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015