شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) -رضي اللَّه عنهما- أنه (قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَاةَ الْخَوْفِ) من إضافة الحكم إلى سببه (بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً) وفي رواية البخاريّ من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ: "قال: غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ نَجْد، فوازينا العدوّ، فصاففنا لهم، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلّي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدوّ. . . " (وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ) أي: مقابلته للحراسة (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي: رجع هؤلاء الذين صلّوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعةً (وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ) أي: الذين لَمْ يصلّوا؛ لاشتغالهم بالحراسة (مُقْبلِينَ) حال من الضمير في "قاموا" (عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ) الذين لَمْ يصلَّوا (ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَكْعَةً) زاد عبد الرزاق عن ابن جريج، عن الزهريّ: "مثل نصف صلاة الصبح"، قال في "الفتح": وفي قوله: "مثل نصف صلاة الصبح" إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعيةٌ، وسيأتي في "المغازي" ما يدلّ على أنها كانت العصر، وفيه دليل على أن الركعة المقضيّة لا بدّ فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافًا لمن أجاز للثانية ترك القراءة. انتهى.
(ثمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً) وفي رواية البخاريّ: "فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه"، قال في "الفتح": لَمْ تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويَحْتَمِل أنهم أتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، ولفظه: "ثم سَلَّم، فقام هؤلاء -أي: الطائفة الثانية- فقضوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعةً، ثم سلموا". انتهى.
وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها، ثم أتصت الطائفة الأولى بعدها، ووقع في الرافعيّ تبعًا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- هذا أن الطائفة الثانية تأخرت، وجاءت الطائفة الأولى، فأتموا ركعةً، ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية، فأتموا.