وجمع الكرمانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بين ما اختَلَف من روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- به فيه، وفصله عما لم يقتد به فيه، وبعضهم ذكر الجميع مجملًا، واللَّه أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الوجه الذي ذكره أقرب مما قاله الكرمانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ) تقدّم أنه بلال -رضي اللَّه عنه- (فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) فيه استحباب تخفيف ركعتي الفجر (ثُمَّ خَرَجَ) إلى المسجد (فَصَلَّى الصُّبْحَ) أي: صلى بالناس جماعة.
قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرحه": فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلوات أن يسلم من كل ركعتين، وإن أوتر يكون آخرَه ركعةً مفصولةً، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: ركعةً موصولةً بركعتين كالمغرب.
وفيه جواز إتيان المؤذِّن إلى الإمام؛ ليَخْرُج إلى الصلاة، وتخفيف سنة الصبح، وأن الإيتار بثلاث عشرة ركعةً أكمل، وفيه خلاف لأصحابنا، قال بعضهم: أكثر الوتر ثلاث عشرة؛ لظاهر هذا الحديث، وقال أكثرهم: أكثره إحدى عشرة، وتأولوا حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى منها ركعتي سنة العشاء، وهو تأويل ضعيفٌ، مباعد للحديث. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ حسنٌ.
وقال في "الفتح": وفي حديث ابن عباس من الفوائد غير ما تقدّم ففيه جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة، وهو محمول على التطوّع، ويَحْتَمِل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره، ممن يَحِلّ له أخذ ذلك.
وفيه جواز تقاضي الوعد، وإن كان مَن وَعَد به مقطوعًا بوفائه.
وفيه الملاطفة بالصغير، والقريب، والضيف، وحسن المعاشرة للأهل، والردّ على من يؤثر دوام الانقباض.
وفيه مبيت الصغير عند محرمه، وإن كان زوجها عندها، وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض، وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير، وإن كان مميزًا بل مراهقًا.