فيَجِب على من ظنّ ذلك، كما إذا ظنّ المجتهد حِلَّ شيء أو تحريمه، فإنه يجب عليه العمل به، قال: وقيل: كان حكم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه إذا واظب على شيء من أعمال البرّ، واقتَدَى الناسُ به فيه أنه يُفْرَصْ عليهم انتهى. ولا يخفى بُعْدُ هذا الأخير، فقد واظب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على رواتب الفرائض، وتابعه أصحابه، ولم تُفْرَض.
وقال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن يكون هذا القول صدر منه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا كان قيام الليل فرضًا عليه دون أمته، فخَشِي إن خرج إليهم، والتزموا معه قيام الليل أن يُسَوِّي اللَّه بينه وبينهم في حكمه؛ لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين أمته في العبادة.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون خَشِي من مواظبتهم عليها أن يَضْعُفُوا عنها، فيَعْصِي مَن تركها بترك اتّباعه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقد استَشْكَل الخطابيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن اللَّه تعالى قال: "هُنَّ خمسٌ، وهنّ خمسون، لا يبدل القول لديّ"، فإذا أُمِنَ التبديلُ، فكيف يقع الخوف من الزيادة؟ ، وهذا يَدْفَع في صدور الأجوبة التي تقدمت.
وقد أجاب عنه الخطابيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بأن صلاة الليل كانت واجبةً عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها، يعني عند المواظبة، فترك الخروج إليهم؛ لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فوض جديد، زائذٍ على الخمس، وهذا كما يوجب المرءُ على نفسه صلاةَ نذرٍ، فتجب عليه، ولا يلزم من ذلك زيادةُ فرض في أصل الشرع.
قال: وفيه احتمالٌ آخرُ، وهو أن اللَّه فَرَضَ الصلاة خمسين، ثم حَطَّ معظمها بشفاعة نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا عادت الأمة فيما استَوْهَب لها، والتزمت ما استَعْفَى لهم نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- منه لم يُستَنكَر أن يثبت ذلك فرضًا عليهم، كما التَزَم ناس الرهبانية في قِبَل أنفسهم، ثم عاب اللَّه عليهم التقصير فيها، فقال: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]، فخشي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكون سبيلهم سبيل أولئك، فقَطَعَ العمل شفقةً عليهم من ذلك.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد تلقى هذين الجوابين من الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- جماعة من