عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- عند أحمد، والطبرانيّ مرفوعًا: "فمن قامها ابتغاءها إيمانًا واحتسابًا، ثم وُفِّقت له غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
قال: معنى توفيقها له، أو موافقته لها أن يكون الواقعُ أن تلك الليلة التي قامها بقصد ليلة القدر، هي ليلة القدر في نفس الأمر، وإن لم يَعْلَم هو ذلك. انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (فَيُوَافِقُهَا) قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه يعلم أنها ليلة القدر. انتهى (?).
وتعقّبه الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقال: إنما معنى توفيقها له أن يكون الواقعُ أن تلك الليلة التي قامها بقصد ليلة القدر هي ليلة القدر في نفس الأمر، وإن لم يَعْلَم هو ذلك، وما ذكره النوويّ من أن معنى الموافقة العلم بأنها ليلة القدر مردودٌ، وليس في اللفظ ما يقتضي هذا، ولا المعنى يساعده. انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تعقّبٌ وجيهٌ، واللَّه تعالى أعلم.
وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "يَقُم" في هذه الرواية، يعني به يطلُب بقيامه ليلة القدر، وحينئذ يلتئم مع قوله: "يوافقها"؛ لأن معنى "يوافقها" يصادفها، ومن صلّى فيها، فقد صادفها، ويَحْتَمِل أن تكون الموافقة هنا عبارة عن قبول الصلاة فيها والدعاء، أو يوافق الملائكة في دعائها، أو يوافقها حاضر القلب، متأهّلًا لحصول الخير والثواب؛ إذ ليس كلُّ دعاء يُسمع، ولا كل عَمَل يُقبل، فإنه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى بُعد هذه الاحتمالات، والحقّ ما سبق من أن معنى "يوافقها" كون تلك الليلة التي قامها قاصدًا لها هي ليلة القدر في الواقع، كما صوّبه وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كلامه السابق، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (أُرَاهُ قَالَ: إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) الظاهر أن القائل: "أُراه" هو محمد بن رافع؛ لأن أبا نعيم أخرجه في "مستخرجه" (2/ 355) من رواية رزق اللَّه بن موسى، وأبي مسعود، كلاهما عن شبابة، وليس فيه "أُراه قال"، ولفظه: