المستفاد من النفي والإثبات مستفاد من الشرط والجزاء، فوضح أن ذلك من تصرف الرواة بالمعنى؛ لأن مخرج الحديث واحدٌ. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
وتعقّبه العينيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في دعواه تصرّف الرواة، فقال: لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون تصرف الرواة فيما رواه النسائيّ والطبرانيّ، وأن ما رواه البخاريّ بالمغايرة بين الشرط والجزاء هو اللفظ النبويّ، بل الأمر كذا؛ لأن رواية محمد بن عليّ بن ميمون، عن أبي اليمان، لا تعادل رواية البخاريّ عن أبي اليمان، ولا روايةُ أحمد بن عبد الوهاب بن نَجْدة عن أبي اليمان، مثل رواية البخاريّ عنه، ويؤيد هذا رواية مسلم أيضًا ولفظه: "من يقم ليلة القدر، فيوافقها -أُراه- إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، ولفظ حديث الطبرانيّ ينادي بأعلى صوته بوقوع التغيير، والتصرف من الرواة فيه؛ لأن فيه النفي والإثبات موضع الشرط والجزاء في رواية البخاريّ ومسلم. انتهى كلام العينيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو عندي تعقّبٌ وجيهٌ، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: قوله: "من قام ليلة القدر"، مع قوله: "من قام رمضان"، قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد يقال: إن أحدهما يغني عن الآخر.
وجوابه أن يقال: قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها، سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعَرَفَها سبب للغفران، وإن لم يقم غيرها.
قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأحسن عندي الجواب بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر للغفران طريقين:
[أحدهما]: يمكن تحصيلها يقينًا إلا أنها طويلة شاقّة، وهي قيام شهر رمضان بكماله.
[والثاني]: لا سبيل إلى اليقين فيها، إنما هو الظن والتخمين، إلا أنها مختصرة قصيرة، وهي قيام ليلة القدر خاصّةً، ولا يَتَوَقّف حصول المغفرة بقيام ليلة القدر على معرفتها، بل لو قامها غير عارفٍ بها غُفر له ما تقدم من ذنبه، لكن بشرط أن يكون إنما قام بقصد ابتغائها، وقد ورد اعتبار ذلك في حديث