عليه، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وقيل: لعظم قدرها وشرفها، وقيل: لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر، وقيل: لأن الطاعات لها قدر زائد فيها (?).

وقال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "ليلة القدر" -بفتح القاف، وإسكان الدال، ويجوز فتحها، كما سأبينه- سُمَّيت بذلك لعظم قدرها؛ لما لها من الفضائل؛ أي: ذات القدر العظيم، أو لِمَا يَحصُل لِمُحْيِيها بالعبادة من القدر العظيم، أو لأن الأشياء تُقَدَّر فيها وتُقْضُى، أقوال، ويؤيد الأولين قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر: 3]، ويؤيد الأخير قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر: 4]، وقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 4].

وإنما جَوَّزت فتح الدال؛ لأنها إن كانت سُمِّيت بذلك لعظم قدرها، فقد قال في "الصحاح": قَدْرُ الشيء مبلغه، وقَدْرُ اللَّهُ وقَدَرُهُ بمعنى، وهو في الأصل مصدرٌ، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]؛ أي: ما عَظَّموا اللَّه حقّ تعظيمه، وإن كان من التقدير، فقد قال في "الصحاح" عقبه: والقَدْرُ والْقَدَرُ أيضًا: ما يُقَدِّره اللَّه من القضاء، وأنشد الأخفش:

أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلنَّوَائِبِ وَالْقَدْرِ ... وَلِلأَمْرِ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي (?)

وكذا قال في "المحكم": الْقَدْرُ وَالْقَدَرُ: القضاء. انتهى.

وقال ابن العربيُّ في "شرح الترمذيّ: هي ليلة القَدْرِ والقَدَر، فأما الأول، فالمراد به الشَّرَف، كقولهم: لفلان قَدْرٌ في الناس، يَعْنُون بذلك مزيةً وشَرَفًا، والثاني القَدَر بمعنى التقدير، قال اللَّه تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 4]، قال علماؤنا: يُلْقِي اللَّه فيها لملائكته ديوان العام. انتهى.

وهو يوهم أنه لا يجوز مع تسكين الدال إرادةُ التقدير، وليس كذلك، كما علمت، وقد جَوَّز المفسرون في الآية إرادةَ الشرف والتقدير، مع كونه لم يُقْرأ إلا بالإسكان، وجزم الهرويّ وابن الأثير في تفسيرها بالتقدير، فقالا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015