وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الفتاوى الكبرى": قد ثبت أن أُبيّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة، في قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقام بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكرٌ، واستَحَبّ آخرون تسعة وثلاثين ركعةً؛ بناءً على أنه عمل أهل المدينة القديم، وقال طائفة: قد ثبت في "الصحيح" عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، واضطرب قوم في هذا الأصل؛ لِمَا ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين، وعمل المسلمين، والصواب أن ذلك جميعه حسنٌ، كما قد نَصّ على ذلك الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يوقت فيها عددًا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطيل القيام بالليل، حتى قد ثبت عنه من حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقرأ في الركعة بـ "البقرة"، و"النساء"، و"آل عمران"، فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات، وأُبي بن كعب لَمّا قام بهم، وهم جماعة واحدة، لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكَثَّر الركعات؛ ليكون ذلك عوضًا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعةً، أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضَعُفوا عن طول القيام، فكَثَّروا الركعات حتى بلغت تسعًا وثلاثين. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
وقال -رَحِمَهُ اللَّهُ- في موضع آخر من "الفتاوى" أيضًا: وكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قيامه بالليل هو وِتْرَه، يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعةً، لكن كان يصليها طوالًا، فلما كان ذلك يشق على الناس، قام بهم أُبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة، يوتر بعدها، ويخفف فيها القيام، فكان تضعيف العدد عوضًا عن طول القيام، وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة، فيكون قيامها أخفّ، ويوتر بعدها بثلاث، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعةً، يوتر بعدها. انتهى كلام