قال في "المصباح": أَمِنَ زيدٌ الأسدَ أَمْنًا، وأَمِنَ منه، مثلُ: سَلِمَ منه وزنًا ومعنًى، والأصل أن يُستَعْمَلَ في سكون القلب، يتعدّى بنفسه، وبالحرف، ويُعدّى إلى ثان بالهمزة، فيقال: آمنتُهُ منه. انتهى.
والمعنى هنا: أنه ذهب خوفهم الذي كان سببًا لمشروعية قصر الصلاة، فما بالهم يقصرون؟ ، أو فما وجه القصر مع زوال السبب؟ (فَقَالَ) عمر -رضي اللَّه عنه- (عَجِبْتُ) بضمّ التاء، للمتكلّم، والفعل من باب تَعِبَ (مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ) بفتح التاء للمخاطب؛ أي: تعجّبتُ أنا مما تعجّبتَ منه أنت.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقع في بعض الأصول بلفظ: "عَجِبتُ ما عَجبتَ منه"، وفي بعضها: "عجِبتُ مما عَجِبتَ"، وهو المشهور المعروف. انتهى (?).
(فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ؟ ) أي: عن قصر الصلاة مع زوال السبب، وهو الخوف من العدوّ، وحصول الأمن (فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("صَدَقَةٌ) بالرفع خبر لمحذوف؛ أي: هذه صدقة، وجملة قوله: (تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ) في محلّ رفع صفة لـ "صدقةٌ".
والمعنى: أن قصر الصلاة صدقةٌ؛ أي: فضل تفضل اللَّه تعالى بِهَا عَلَيْكُمْ، وأكرمكم بها (فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ") أي: سواء حصل الخوف أم لا، فقوله في الآية: {إِنْ خِفْتُمْ} قد خَرَج مخرج الأغلب، لكون أغلب أسفار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه لم تَخْلُ من خوف؛ لكثرة أهل الحرب إذ ذاك، فحينئذ لا تدلّ الآية على عدم القصر إن لم يكن خوف؛ لأنه بيان للواقع إذ ذاك، فلا مفهوم له.
وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: شَرَع لكم ذلك رحمةً بكم، وإزالةً للمشقّة عنكم، نظرًا إلى ضعفكم، وفقركم، وهذا المعنى يقتضي أن ما ذُكر فيه من القيد، فهو اتفاقيّ ذكرُهُ على مقتضى ذلك الوقت، وإلا فالحكم عامّ، والقيد لا مفهوم له، ولا يخفى ما في الحديث من الدلالة على اعتبار المفهوم في الأدلة الشرعية، وأنهم كانوا يفهمون ذلك، ويرون أنه الأصل، وأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قرّرهم على ذلك، ولكن بَيَّنَ أنه قد لا يكون معتبرًا أيضًا بسبب من الأسباب.
[فإن قلت]: يمكن التعجّب مع عدم اعتبار المفهوم أيضًا، بناءً على أن