(ومنها): أنه إنما فعل ذلك من أجل الأعراب؛ لئلا يظنّوا أن فرض الصلاة أبدًا ركعتان، وهذا يردّه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أولى بذلك، ولم يفعله، وثمّ قد عَلِمَ الأعراب، والكلُّ من المسلمين أن الصلاة في الحضر أربع، ومن جَهِلَ ذلك من قُرْب عهدٍ بالإسلام نادرٌ قليلٌ، لا تُغيَّر القواعد لأجله.

(ومنها): أن عثمان أزمع على الْمُقام بمكة بعد الحجّ، ويرُدّه أن المُقام بمكة للمهاجر أكثر من ثلاث ممنوع.

(ومنها): أنه كان لعثمان بمنى أرضٌ ومالٌ، فرأى أنه كالمقيم، وهذا فيه بُعْدٌ؛ إذ لم يقل أحدٌ: إن المسافر إذا مرّ بما يملكه من الأرض، ولم يكن له فيها أهلٌ حكمه حكم المقيم، والوجه ما ذكرناه أوّلًا (?). انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحثٌ مفيدٌ.

وقال في "الفتح": قوله: (تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ) هذا فيه رَدٌّ على من زعم أن عثمان إنما أتمّ؛ لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين، وكلُّ موضع له دارٌ، أو لأنه عَزَمَ على الإقامة بمكة، أو لأنه استَجَدّ له أرضًا بمنى، أو لأنه كان يَسْبِق الناس إلى مكة؛ لأن جميع ذلك مُنْتَفٍ في حق عائشة -رضي اللَّه عنها-، وأكثره لا دليل عليه، بل هي ظنون ممن قالها.

ويرُدُّ الأول أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسافر بزوجاته وقَصَرَ، والثانيَ أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أولى بذلك، والثالثَ أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام، كما سيأتي تقريره في محلّه من "كتاب المغازي"، والرابعُ، والخامسُ لم ينقلا، فلا يكفي التخرُّص في ذلك، والأول وإن كان نُقِلَ، وأخرجه أحمد، والبيهقيّ، من حديث عثمان -رضي اللَّه عنه-، وأنه لَمّا صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه، فقال: إني تأهلت بمكة لَمّا قَدِمت، وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من تأهّل ببلدة، فإنه يصلي صلاة مقيم"، فهذا الحديث لا يصح؛ لأنه منقطع، وفي رُواته مَن لا يُحتجّ به، ويردُّه قول عروة: إن عائشة تأوّلت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلًا، فدلّ على وَهْنِ ذلك الخبر.

قال: والمنقول أن سبب إتمام عثمان -رضي اللَّه عنه- أنه كان يرى القصر مُختصًّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015