شرح الحديث:

(عَنْ عَائِشَةَ) -رضي اللَّه عنها- (زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) بجرّ "زوج" على البدليّة، أو عطف البيان (أَنَّهَا قَالَتْ: "فُرِضَتِ الصَّلَاةُ) ببناء الفعل على المفعول؛ أي: فرض اللَّه الصلاة أولًا بمكة ليلة الإسراء ركعتين، والمراد بها الصلاة التي تختلف حَضرًا وَسَفرًا، فلا يُسْتَشكَل بالمغرب والفجر، وقد وردت زيادة تُوَضِّح المراد عند الإمام أحمد في "مسنده"، ولفظه: "إلا المغرب، فإنها كانت ثلاثًا".

(رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) بالنصب على الحاليّة، حال كونها ركعتين، وإنما كرّرت لفظ "ركعتين"؛ لتفيد عموم التثنية لكلِّ صلاة، قاله في "الفتح" (?).

(فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ) فِعلٌ ونائبُ فاعله؛ أي: رَجَعَت إلى الحالة الأولى بعد نزول القصر في السفر بحيث كأنها مقررة على الحالة الأصلية، وما ظهرت الزيادة فيها أصلًا، فلا يُشكل بأن ظاهر قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} الآية [النساء: 101]، يفيد أن صلاة السفر قُصِرت بعد أن كانت تامّة، فكيف يصح القول بأنها أُقِرّت؟ وأيضًا اندفع أن يقال: مُقْتَضَى هذا الحديث أن الزيادة على الركعتين لا يصح، ولا يجوز كما في صلاة الفجر، فكيف كانت عائشة -رضي اللَّه عنها- تتمها في السفر؟ فليتأمل، قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).

(وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ) وفي رواية أخرى عند مسلم: (وأُتمّت صلاة الحضر) أي: بعد الهجرة إلى المدينة؛ لِمَا عند البخاريّ في "صحيحه"، في "كتاب الهجرة" من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَفُرِضَتْ أربعًا".

وقد أخذ بهذا الحديث الحنفية، وقالوا: إن القصر عزيمة، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح صحيح البخاريّ": تريد عائشة -رضي اللَّه عنها- أن اللَّه تعالى لما فرض على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلوات الخمس ليلة الإسراء، ثم نزل إلى الأرض، وصلى به جبريل عليه السلام عند البيت، لم تكن صلاته حينئذ إلا ركعتين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015