بتكثير الماء القليل ببركته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإرواء العِطاش منه، واستعمالهم، وأخذهم منه في قِرَبهم من غير أن ينقُص الماء المأخوذ منه شيئًا، ولذلك قال للمرأة: "ما رزئنا من مائك شيئًا، وإنما سقانا اللَّه عزَّ وجلَّ".
وإنما لم يستأذن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المرأة أولًا في الشرب من مائها، والأخذ منه؛ لأن انتفاعهم إنما كان بالماء الذي أمدّه اللَّه تعالى بالبركة لم يكن من نفس مائها، ولذلك قال لها: "ما رَزِئنا من مائك شيئًا، وإنما سقانا اللَّه".
ونظير هذا: أن جابرًا صنع للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا يسيرًا في عام الخندق، وجاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسارّه بذلك، وقال له: تعال أنت في نفر معك، فصاح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أهل الخندق، إن جابرًا قد صنع لكم سُورًا، فحيهلا بكم"، ثم جاء بهم جميعًا، فأكلوا حتى شبعوا، والطعام بحاله.
فإن أكل أهل الخندق إنما كان مما حصلت فيه البركة بسبب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الداعي لأهل الخندق كلهم إلى الطعام في الحقيقة، فلذلك لم يحتج في استئذان جابر في ذلك.
وهذا بخلاف ما جرى لأبي شعيب اللحام لما دعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجلساءه، فلما قاموا تبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لصاحب المنزل: "إنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا، فإن أذنت له دخل" فأذن له فدخل.
وقد خرّجاه في "الصحيحين" بمعناه من حديث أبي مسعود، فإن ذلك اليوم لم يحصل فيه ما حصل في طعام جابر وماء المرأة المشركة -واللَّه سبحانه وتعالى أعلم-، فإن غالب ما كان يقع منه -صلى اللَّه عليه وسلم- تكثير الطعام والشراب في أوقات الحاجة العامة إليه, قاله الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
وقال في "العمدة": فيه فوائد من دلائل النبوة، حيث توضؤوا، وشربوا، وسَقَوا، واغتسل الجنب مما سقط من العزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين ببركته، وعظيم برهانه، وكانوا أربعين نصّ عليه في رواية سَلْم بن زَرِير، وأنهم ملأوا كل قِرْبة معهم.
وقال القاضي عياض: وظاهر هذه الرواية أن جملة من حضر هذه القصة