المصنّف هذه، ودلّت رواية البخاريّ هذه على أنه كان هو وعليّ فقط؛ لأنهما خوطبا بلفظ التثنية، ويَحْتَمِلُ أنه كان معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما، فيتَّجِهُ إطلاق لفظ ركب في رواية مسلم هذه، وخُصّا بالخطاب؛ لأنهما المقصودان بالإرسال.
وفيه الجري على العادة في طلب الماء وغيره، دون الوقوف عند خرقها، وأن التسبب في ذلك غير قادح في التوكل، أفاده في "الفتح" (?).
(فَبَيْنَمَا) وفي نسخة: "فبينا"، وتقدّم البحث فيهما قريبًا (نَحْنُ نَسِيرُ، إِذَا) هي الفجائيّة (نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا) السادلة: هي المرسلة المُدَلِّية، قال القرطبيّ: كذلك رواية الجماعة، وللعذريّ: "سابلة" -بالباء الموحّدة- والأول أصوب؛ لأنه لا يقال: سَبَلَت، وإنما يقال: أسبلت. انتهى (?).
وقوله: (بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ) ظرف لـ "سادلة"، وهو -بفتح الميم والزاي-: القربتان، وقيل: هي القِرْبَةُ الكبيرةُ التي تُحْمَلُ على الدابّة، سُمِّيت بذلك؛ لأنها يزاد فيها جلدٌ من غيرها؛ لتكبُر، وتُسَمَّى أيضًا السَّطِيحة (فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: أَيْهَاهْ أَيْهَاهْ) هكذا هو في الأصول، وهو بمعنى هيهات هيهات، ومعناه الْبُعْدُ من المطلوب، واليأسُ منه، كما قالت بعده: "لا ماء لكم"، قاله النوويّ (?).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: (أيهاه أيهاه) كذا رُوي هنا بالهمز في أولهما، وبالهاء في آخرهما، ويُروى بالتاء أيضًا في آخرهما، وهي هيهات المذكورة في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)} [المؤمنون: 36] أُبدلت الهاء همزةً، ومعناها الْبُعْدُ، والهاء في آخرها للوقف، وقيل: هي مركّبةٌ من "هَيْ" للتأسّف، و"هاه" للتأوّه، فقُلبت الهاء في الوصل تاءً، ثمّ حُرّكت بالفتح، والضمّ، والكسر، وقد قُرئ بها في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}، وهي اسم من أسماء الأفعال، فتارة تقدّر بِبَعُدَ، كما في قول الشاعر [من الطويل]:
فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْعَقِيقُ وَأَهْلُهُ ... وَهَيْهَاتَ خِلٌّ بِالْعَقِيقِ تُوَاصِلُهْ