ونَبّأته أبلغ من أنبأته، {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [فصلت: 50]، {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} [القيامة: 13].
ويدُلّ على ذلك قوله: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3]، ولم يقل: أنبأني، بل عَدَلَ إلى نَبّأ الذي هو أبلغ تنبيهًا على تحقيقه، وكونه من قبل اللَّه، وكذا قوله: {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94]، {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105].
و"النُّبُوَّة": سِفَارة بين اللَّه وبين ذوي العقول من عباده؛ لإزاحة عِلّتهم في أمر معادهم ومعاشهم، و"النبيّ"؛ لكونه مُنَبِّئًا بما تسكُن إليه العقول الذكية، وهو يصح أن يكون فَعِيلًا بمعنى فاعل؛ لقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي} [الحجر: 49]، {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} [آل عمران: 15]، وأن يكون بمعنى المفعول؛ لقوله: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3].
وتَنَبّأ فلان: ادَّعَى النبوهَ، وكان من حق لفظه في وضع اللغة أن يصح استعماله في النبيّ؛ إذ هو مطاوع نَبَّأ، كقوله: زَيَّنه فَتَزَيَّن، وحَلّاه فتَحَلَّى، وجَمَّله فتجَمَّل، لكن لما تعورف فيمن يَدَّعِي النبوة كَذِبًا جُنَّب استعماله في الْمُحِقِّ، ولم يُستعمَل إلا في المتقَوِّل في دعواه، كقولك: تنبأ مُسَيْلِمة، ويقال في تصغير نَبِئ: مُسَيلمة نُبَيِّئُ سَوْءٍ؛ تنبيهًا أن أخباره ليست من أخبار اللَّه تعالى، كما قال رجل سَمِع كلامه: واللَّه ما خرج هذا الكلام من إِلِّ، أي اللَّه، والنَّبْأَةُ الصوت الخفيّ.
قال النحويون: النبيّ بغير همز أصله الهمز، فتُرِك همزه، واستدلُّوا بقولهم: مسيلمة نُبَيِّىءُ سَوْءٍ، وقال بعض العلماء: هو من النَّبْوة: أي الرِّفعة، وسُمِّي نبيًّا؛ لرفعة محله عن سائر الناس، المدلول عليه بقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57]، فالنبيّ بغير الهمز أبلغ من النبئ بالهمز؛ لأنه ليس كل مُنَبَّأ رفيع القدر والمحل، ولذلك قال -صلى اللَّه عليه وسلم- من قال: يا نبئ اللَّه، فقال: "لست نبئ اللَّه، ولكن نبي اللَّه" (?)، لَمّا رأى أن الرجل خاطبه بالهمز؛ لبُغْضٍ منه.