(قَالَ) أبو قتادة (فَقُمْنَا فَزِعِينَ) بفتح، فكسر اسم فاعل من فَزِعَ، من باب تَعِب، وسبب فَزَعهم ما أصابهم من فوات صلاة الفجر بالنوم، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في شرح حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الذي قبله.

(ثُمَّ قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("ارْكَبُوا"، فَرَكِبْنَا) هذا أيضًا مما يدلّ على اختلاف الواقعتين؛ فإنه في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "اقتادوا، فاقتادوا"، وإن حاول بعضهم، فأوّله بأن بعضهم اقتاد، وبعضهم ركب، لكن الظاهر الوجه الأول، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم.

(فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ) النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن راحلته (ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ) بكسر الميم، وبهمزة بعد الضاد المعجمة، ويجوز مدّه وقصره: هي الإناء الذي يُتوضّأ منه، كالرِّكْوة، ونحوها، قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهي التي قال فيها: "أَطْلِقُوا لي غُمَرِي". انتهى. (كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ") أي قليل (مَنْ مَاءٍ، قَالَ) أبو قتادة (فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ) أي وضوءًا خفيفًا، وكأنه اقتصر فيه على المرّة الواحدة، ولم يُكثِر صبَّ الماء؛ لأنه أراد أن يُفْضِل منه فَضْلةً؛ لتظهر فيها بركته وكرامته، قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا أولى من قول من قال: أراد بقوله: "وضوءًا دون وُضوء" الاستجمار بالحجارة؛ لأن ذلك لا يقال عليه وضوءٌ عُرْفًا، ولا لغةً؛ لأنه لا نظافة فيه بالغةٌ، ولما روى أبو داود في هذه القصّة من حديث ذي مِخْبَر الحبَشيّ، خادم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضّأ وضوءًا لم يَلُتّ (?) منه التراب" (?). انتهى (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: في استدلاله بقصّة ذي مخبر نظر؛ لأنه لا دليل على اتّحادها مع قصّة أبي قتادة، فَيَحْتَمِل أن تكون واقعة أخرى، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: وضوءًا خفيفًا مع أنه أسبغ الأعضاء، ونَقَل القاضي عياضٌ عن بعض شيُوخه أن المراد توضّأ، ولم يستنج بماء، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015