جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56]، ومثل هذا في القرآن كثير، قالوا: والروح لم تخاطب، ولم تؤمر، ولم تُنْهَ في شيء من القرآن، ولم يلحقها شيء من التوبيخ، كما لحِقَ النفس في غير آية من كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وتأوّلوا قول بلال -رضي اللَّه عنه-: "أخذ بنفسي من النوم ما أخذ بنفسك منه". انتهى (?).
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال: و"النفس" هنا هي التي تتوفَّى بالنوم وبالموت، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]، وهى التي تَخْرُج من البدن حالة الموت، كما قال تعالى: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93]، وهي المناداة بقوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} إلى قوله: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)} [الفجر: 27 - 29]، وقد عَبّر عنها في "الموطّأ" في هذا الحديث بالروح، فقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه قبض أرواحنا، ولو شاء لردّها إلينا في حينٍ غيرِ هذا"، فما سمّاه بلالٌ نفسًا سمّاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رُوحًا، فهما إذًا عَبارتان عن مُعَبَّرٍ واحد، وهذا مذهب أئمّتنا.
وقد اختَلَفَ الناس قديمًا وحديثًا في المعنى المراد بالنفس والروح، والذي يُفهم من مجموع ما في الكتاب والسنّة، وأقاويل علمائنا أن ذلك هو لطيفة مُودَعةٌ في الأجساد، مشاركة لجميع أجزائها التي تَحُلُّها الحياة، يتأتَّى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه، وقبضها منه، أجرى اللَّه تعالى العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة، وهي القابلة للعلوم، والإنسانُ هو الجسد وتلك اللطيفة.
وقد فرَّق الصوفيّة بين النفس والروح، فقالوا: النفس لطيفة مُودعةٌ في الجسم، محلٌّ للأخلاق المعلولة، والروح محلّ للأخلاق المحمودة، وهو اصطلاح من قِبَلهم، ولا مُشَاحّة في الاصطلاحات بعد فهم المعنى. والنفس في اللغة مُشترك يُطلق على ما ذكرنا، ويُطلق، ويُراد به وجود الشيء وذاته، ويُطلق ويراد به الدم، والروح يُطلق أيضًا على جبريل؛ إذ قد سمّاه اللَّه تعالى رُوحًا فِي قوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193]، ويَحْتَمِل أن يكون