وإنما نُهِي عن ذلك مَنْ قصد التطوع دون الفرض؛ لأن مَن نسي الفرض فلم يذكره إلا وقت طلوع الشمس أو وقت غروبها لم يتحرّ الصلاة في ذلك الوقت، إنما أدركه فرض الصلاة فيه.
وأما من تأوّل ارتحال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من المكان الذي انتبهوا فيه، فليس لهم فيه حجة؛ لأنهم لم ينتبهوا إلا بحرّ الشمس، وإنما ارتحل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذلك المكان للعلة التي أخبر بها، قال: "إن هذا مكان حَضَرَنا فيه شيطان، فارتَحِلُوا منه".
وقد ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها"، وتلا أيضًا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
وممن رُوِي عنه أنه قال: "إذا نام عن صلاة أو نسيها صلاها متى استيقظ أو ذَكَرَ"، عليُّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في رجل نسي صلاة: يصليها إذا ذكرها، وتلا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
ورُوي عن عمران بن الحصين، وسمرة أنهما قالا: يصليها إذا ذكرها، وهذا قول أبي العالية، والنخعي، والشعبي، والحَكَم، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفيه قولٌ ثالث: قاله أصحاب الرأي في رجل نَسِيَ صلاة، فذكرها حين طلعت الشمس أو حين انتصف النهار، أو ذكرها حين تغرب الشمس، فإنه لا يصليها في هذه الأوقات الثلاث، والوتر كذلك، ما خلا العصر، فإنه إذا ذكر العصر من يومه ذلك قبل غروب الشمس صلاها، وإن كانت العصر قد نسيها قبل ذلك بيوم أو بأيام لم يصلها في تلك الساعة، وكذلك سجدة التلاوة، والوتر، والصلاة على الجنازة، لا تقضى في شيء من هذه الساعات الثلاث.
قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إذا كان مذهب أهل الرأي أن يجعلوا نهي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، واقعًا على التطوع دون الفرض، فاللازم أن يجعلوا نهي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند انتصاف النهار، واقعًا على