(فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا السؤال على ظاهره، وهو تعبّد منه لملائكته، كما أمر بكَتْبِ الأعمال، وهو أعلم بالجميع. انتهى (?).

[تنبيه]: قيل: الحكمة في سؤالهم استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة مَنْ قَالَ من الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، أي وقد وُجد فيهم من يسبح، ويقدس مثلكم بنص شهادتكم.

وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة، كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو عزَّ وجلَّ أعلم من الجميع بالجميع.

[تنبيه آخر]: وقع في بعض النسخ: "فيسألهم، وهو أعلم بهم"، بدون ذكر الفاعل، وهو الذي في رواية النسائيّ، وعليه يقدّر الفاعل ضميرًا يعود إلى المعلوم من السياق، يدلّ عليه قوله: "عبادي"، أي يسألهم هو، أي ربّهم، وهذا على رأي جمهور النحاة، وأما على رأي الكسائيّ، فيكون من باب حذف الفاعل؛ لأنه يجوّز حذفه.

(وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ) أي بالمصلين من الملائكة، فحذف صلة أفعل التفضيل، وفي بعض النسخ: "فيسألهم، وهو أعلم" (كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ ) قال ابن أبي جمرة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقع السؤال عن آخر الأعمال؛ لأن الأعمال بخواتيمها، قال: والعباد المسؤول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] (فَيَقُولُونَ) أي الملائكة المسؤولون (تَرَكْنَاهُمْ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتيْنَاهُمْ، وَهُمْ يُصَلُّونَ") لم يراعوا الترتيب الوجوديّ؛ لأنهم بَدَؤُوا بالترك قبل الإتيان، والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال؛ لأنه قال: "كيف تركتم"، ولأن الْمُخْبَر به صلاة العبادة، والاْعمال بخواتيمها، فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله.

وقوله: "تركناهم وهم يصلون" ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تَمَّت أم مَنَعَ مانع من إتمامها، وسواء شَرَع الجميع فيها، أم لا؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015