ما شاء اللَّه أن نقرأها" (ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ) عزَّ وجلَّ، أي رفع حكم كونها قرآنًا (فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}) فقوله: {حَافِظُوا}. . . إلخ مرفوع على الفاعليّة بـ "نزلت"، محكيّ؛ لقصد لفظه (فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ) أي ابن عقبة، وهذا الرجل اسمه زاهر، سمّاه أبو عوانة في "مسنده"، ولفظه: "فقال زاهر، وكان مع شقيق: أفهي صلاة العصر؟ "، وكذا هو عند أبي نعيم في "مستخرجه"، ولفظه: "فقال له زاهر، رجلٌ كان مع شقيق: أفهي العصر؟ "، وقيل: اسمه أزهر، سمّاه به الإمام أحمد في "مسنده"، ولفظه: "فقال له رجل، كان مع شقيق، يقال له: أزهر"، وقوله: (لَهُ) متعلّق بـ "قال"، أي قال للبراء -رضي اللَّه عنه- (هِيَ إِذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ ) أي إذا كان الأمر كما ذكرت من أن الآية نزلت أوّلًا بلفظ: "حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وصلاة العصر"، ثم نُسِخت إلى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}، فتكون الصلاة الوسطى هي العصر؛ لأنها نزلت بدلها، وظاهر هذا أن نسخها إنما هو في اللفظ، لا في المعنى، فهي مما نسخ لفظه، وبقي حكمه، كآية الرجم، أفاده ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).

(فَقَالَ الْبَرَاءُ) لأنَّه (قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قول البراء للسائل: "قد أخبرتك. . . إلخ" يظهر منه تردّد، لكن فيما ذا؟ هل نُسخ تعيينها، وبقيت هي الوسطى، أو نُسخ كونها وُسطى؟ في هذا تردّدٌ -واللَّه تعالى أعلم- وإلا فقد أخبر بوقوع النسخ. انتهى (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الترديد الذي ذكره القرطبيّ إنما هو مبنيّ على نسخته، فإن نصّ نسخته هكذا: "نزلت هذه الآية: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نسخها اللَّه، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. . . إلخ"، فقد ذكر فيها: "والصلاة الوسطى" في الآية الأولى كالثانية، والظاهر أن النسخة غلطٌ، فإن جميع نسخ "صحيح مسلم" التي بين أيدينا، سوى نسخته نصّها: "عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نسخها، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. . . إلخ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015