على الإغراء، أي الزموا الصلاة الوُسْطى، وكذلك قرأ الحلواني، وقرأ قالون عن نافع: "الوُصْطَى" بالصاد لمجاورة الطاء لها؛ لأنهما من حَيِّز واحد، وهما لغتان كالصراط ونحوه. انتهى.
قال أبو يونس (فَلَمَّا بَلَغْتُهَا) أي الآية المذكورة (آذَنْتُهَا) أي أعلمتها ببلوغي إياها (فَأَمْلَتْ عَلَىَّ) من الإملاء، ولأبي داود: "فأملّت" بتشديد اللام، أي ألقت عليّ لأكتب، وهما لغتان فصيحتان.
قال الفَيُّوميُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأَمْلَلْتُ الكتابَ على الكاتب إملالًا: ألقيته عليه، وأمْلَيْتُ عليه إملاء، والأولى لغة الحجاز، وبني أسد، والثانية لغة بني تميم، وقيس، وجاء بهما الكتاب العزيز {فَلْيُمْلِلْ} [البقرة: 282] الذي عليه الحق، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]. انتهى (?).
({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} -صَلَاةِ الْعَصْرِ) هكذا الرواية بواو العطف، واستَدَلّ به بعضهم على أن صلاة العصر ليست هي صلاة الوسطى؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وَرُدَّ عليه بأن العطف للتفسير، بدليل الأحاديث الصحيحة المرفوعة، كحديث عليّ -رضي اللَّه عنه- الماضي.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واستَدَلّ به بعض أصحابنا على أن الوُسْطَى ليست العصر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، لكن مذهبنا أن القراءة الشاذّة لا يُحْتَجُّ بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا، والمسألة مقررة في الأصول، وفيها خلاف بيننا وبين أبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: أرجح الأقوال في هذه المسألة قول من قال: إن ما قُرئ في الشواذّ يكون حجةً، كسائر أخبار الآحاد، كما أوضحت ذلك في "التحفة المرضيّة"، حيث قلت:
وَكُلُّ مَا تَوَاتَرًا لَمْ يَنَلِ ... عِنْدَ الأُصُولِيِّينَ شَاذًا (?) يَنْجَلِي
وَاتَّفَقُوا أَنْ لَيْسَ قُرْآنًا تُلِي ... وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِثْلُهُ فِي الْعَمَلِ