فتمسك قوم بأن العطف يقتضي المغايرة، فتكون صلاة العصر غير صلاة الوسطى. وأجيب بأن حديث عليّ، ومن وافقه أصح إسنادًا، وأصرح، وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها: "وهي العصر"، فيحتمل أن تكون الواو زائدة، ويؤيده ما رواه أبو عبيدة بإسناد صحيح عن أُبَيّ بن كعب أنه كان يقرؤها: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر" بغير واو، أو هي عاطفة، لكن عطف صفة، لا عطف ذات، وبأن قوله: "والصلاة الوسطى والعصر" لم يقرأ بها أحدٌ، ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولًا: "والعصر"، ثم نزلت ثانيًا بدلها: "والصلاة الوسطى" فجمع الراوي بينهما، ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال، فكيف يكون مقدَّمًا على النصّ الصريح بأنها صلاة العصر؟ . انتهى.

وقال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الردّ على من زعم أن العطف يقتضي المغايرة ما نصّه: وتقرير المعارضة أنه عطف "صلاة العصر" على "الصلاة الوسطى" بواو العطف التي تقتضي المغايرة، فدلّ ذلك على أنها غيرها.

وأجيب عن ذلك بوجوه:

[أحدها]: أن هذا إن رُوي على أنه خبر، فحديث عليّ أصحّ، وأصرح منه، وهذا يَحْتَمِل أن تكون الواو زائدة، كما في قوله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)} [الأنعام: 55]، {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)} [الأنعام: 75]، أو تكون لعطف الصفات، لا لعطف الذوات، كقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، وأشباه ذلك كثيرة، وقال الشاعر:

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ

وقال أبو داود الإياديّ:

سُلِّطَ الْمَوْتُ وَالْمَنُونُ عَلَيْهِمْ ... فَلَهُمْ فِي صَدَى الْمَقَابِرِ هَامُ

والموت هو المنون، وقال عديّ بن زيد العتاديّ:

فَقَدَّدَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ ... فَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا

والكذب هو الْمَيْنُ، وقد نَصَّ سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل: مررت بأخيك وصاحبك، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه، واللَّه أعلم. انتهى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015