وقال الراغب: هو انقباض النفس عن القبائح، وتركه (?).
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلّف به، دون الغريزيّ، غير أن من كان فيه غريزة منه، فإنها تُعينه على المكتسب، وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزيًّا، قال: وقد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد جُمع له النوعان، فكان في الغريزيّ أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (?).
3 - (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من شدّة الإنكار على من عارض السنّة بغيرها، أيًّا كان نوعه، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم شديد الغيرة عليها، فيعادي كلّ من يعارضها برأي رآه، أو مذهب قلّده، فإن السنّة حاكمة على كلّ رأي ومذهب، كما قال عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الآية، وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] الآية، وقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده، والناس أجمعين"، متّفقٌ عليه، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"، وهو متكلّم في صحّته، لكن يشهد له الذي قبله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبسندنا المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:
[165] ( ... ) - (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ - وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، حَدَّثَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ"، قَالَ: أَوْ قَالَ: "الْحَيَاءُ كُلّهُ خَيْرٌ"، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُب، أَوْ الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً، وَوَقَارًا لله، وَمِنْهُ ضَعْفٌ، قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ، حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا