فعددت كلّ طاعة عدّها الله من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممتُ إلى الكتاب السننَ، وأسقطتُ المعاد، فإذا كلّ شيء عدّه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان بضع وسبعون، لا يزيد عليها، ولا ينقص، فعلمتُ أن مراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذا العدد في الكتاب والسنّة. انتهى.
وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "بضع وسبعون" يحتمل أن يكون المراد بقوله: "بضع وسبعون" التكثيرَ، دون التعديد، كما في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية [التوبة: 80].
واستعمال لفظة السبعة والسبعين للتكثير كثير، وذلك لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فإنه ينقسم إلى فرد وزوج، وكلّ منهما إلى أول، ومركّب، والفرد الأول ثلاثة، والمركّب خمسة، والزوج الأول اثنان، والمركّب أربعةٌ، وينقسم أيضًا إلى مُنْطَقٍ؛ كالأربعة، وأصمّ؛ كالستة، والسبعة تشتمل على جميع هذه الأقسام، ثم إن أريد مبالغة جُعلت آحادها أعشارًا.
ويحتمل أن يكون المراد تعداد الخصال وحصرها، فيقال: إن شُعَب الإيمان، وإن كانت متعدّدةً متبدّدةً إلا أن حاصلها يرجع إلى أصل واحد، وهو تكميل النفس على وجه به يصلح معاشه، ويحسُن معاده.
وذلك بأن يعتقد الحقّ، ويستقيم في العمل، وإليه أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لسفيان بن عبد الله الثقفيّ - رضي الله عنه - حين سأله في الإسلام قولًا جامعًا: "قُل: آمنت بالله، ثم استقم"، رواه مسلم.
قال: وفنون اعتقاد الحقّ يتشعب ست عشرة شُعبةً:
طلب العلم، ومعرفة الصانع، وتنزيهه عن النقائص، وما يتداعى إليها، والإيمان بصفات الإكرام، مثل الحياة، والعلم، والقدرة، والإقرار بالوحدانيّة، والاعتراف بأن ما عداه صنعه لا يوجد، ولا يُعدم إلا بقضائه وقدره، والإيمان بالملائكة المتطهّرة عن الرجس، وتصديق رسله المؤيّدين بالآيات في دعوى النبوّة، وحسن الاعتقاد فيهم، والعلم بحدوث العالم، واعتقاد فنائه على ما ورد به التنزيل، والجزم بالنشأة الثانية، وإعادة الأرواح إلى الأجساد، والإقرار باليوم الآخر، أعني بما فيه من الصراط والحساب، وموازنة الأعمال، وسائر ما تواتر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والوثوق على وعد الجنّة وثوابها، واليقين بوعيد النار وعقابها.