موجود إلا اللَّه"؛ فإن هذا مذهب الحلوليّة، وكذا ما قدّره بعض الشرّاح هنا: أي لا إله موجود غير اللَّه تقدير فاسدٌ؛ لأن وجود الآلهة مما لا شكّ ولا ارتياب فيه، فقد قال المشركين: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} الآية، وقال فرعون: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي} الآية، فليس المراد نفي وجود الآلهة، وإنما المراد نفي كونها معبودة بحقّ، وأنها لا تستحقّ العبادة، وإنما المعبود بحقّ هو اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو المستحقّ للعبادة، دون غيره (وَحْدَهُ) منصوب على الحال بتأويله مشتقًّا نكرةً، أي حال كونه منفردًا في ذاته (لَا شَرِيكَ لَهُ) أي في أفعاله، وصفاته، وعبادته. وقيل: تأكيد بعد تأكيد، لمزيد الاعتناء بمقام التوحيد (لَهُ) أي لا لغيره، فتقديم الخبر يفيد الحصر (الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ) في الأولى والآخرة، لا لغيره، فلا منعم سواه حتى يستحقّ الحمد (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) قال الأزهريّ: سمعت المنذريّ، يقول: سمعت أبا الهيثم يقول عن تفسير قوله: "لا حول ولا قوّة إلا باللَّه"، قال: الحولُ: الحَرَكَةُ، تقول: حالَ الشخصُ: إذا تحرّك، وكذلك كلّ متحوّل عن حاله، فكأن القائل إذا قال: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة اللَّه، وقال الكسائي: يقال: لا حول ولا قوّة إلا باللَّه، ولا حَيْلَ ولا قوّة إلا باللَّه، وورد ذلك في الحديث: لا حول ولا قوّة إلا باللَّه، وفُسّر بذلك المعنى: لا حركة، ولا قوّة إلا بمشيئة اللَّه تعالى، وقيل: الحول الحيلةُ، قال ابن الأثير، والأول أشبه. انتهى.

(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ) إذ لا يستحقّ العبادة سواه (لَهُ النِّعْمَةُ) المراد جنس النعمة، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، أو له نعمة التوفيق (وَلَهُ الْفَضْلُ) أي له عَزَّ وَجَلَّ الفضلُ بالقبول، أو له التفضّل على عباده (وَلَهُ) عَزَّ وَجَلَّ (الثَّنَاءُ الْحَسَنُ) أي الوصف الحسن على ذاته، وصفاته، وأسمائه، وأفعاله (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الطاعة {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أي كرهوا كوننا مخلصين ديننَا للَّه، وكوننا عابدين وموحّدين له -عَزَّ وَجَلَّ-.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "مخلصين" حالٌ عاملُهُ محذوفٌ، وهو الدّالّ على مفعول "كره"، أي نقول: "لا إله إلا اللَّه" حال كوننا مخلصين، ولو كره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015