والثاني: أنه لم يوجِبْ علينا معرفة هذه الأشياء بخواصّ أسمائها حتى يلزمنا تسميتها في عقد الإيمان، وإنما كَلّفَنا التصديق بجملتها، كما كَلّفنا الإيمان بملائكته، وإن كنّا لا نعرف أسماء أكثرهم، ولا أعيانهم.

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعلى شُعَب الإيمان وأدناها، كما ثبت في "الصحيح" من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، فبيّن أن أعلاها التوحيد المتعيّن على كلّ مكلّف، والذي لا يصحّ غيره من الشعب إلا بعد صحّته، وأن أدناها دفع ما يُتوقّع به ضرر المسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بينهما إتمام العدد، فيجب علينا الإيمان به، وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن بالملائكة، وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم. ذكره الكرمانيّ (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف الحفّاظ في إسناد هذا الحديث:

(اعلم): أن هذا الحديث وقع عند المصنّف بلفظ: "الإيمان بضع وسبعون شعبة"، هكذا رواه أبو عامر الْعَقَديّ، عن سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية زُهير بن حرب، عن جرير بن عبد الحميد، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "بضع وسبعون - أو بضع وستون -" على الشكّ، ورواه البخاري في أول الكتاب من رواية الْعَقَديّ: "بضع وستون"، بلا شكّ، ورواه أبو داود، والترمذيّ، وغيرهما من رواية سهيل: "بضع وسبعون" بلا شك، ورواه الترمذيّ من طريق آخر، وقال فيه: "أربعة وستون بابًا".

وقد اختَلَفَ العلماء في الترجيح بين الروايتين، فقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الصواب ما وقع في سائر الأحاديث، ولسائر الرواة: "بضع وستون" (?)، وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: هذا الشك الواقع في رواية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015