فقد أخرج ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (743) عن عليّ -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه كان إذا فرغ من صلاته، فسلّم قال: "اللهم اغفر لي ما قدّمت، وما أخّرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدّم، وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت".
والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاريّ، والنسائيّ، وقد تقدّم في كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-، أنه مذهب الإمام أحمد، بل نقل أن أصحاب أحمد، وأصحاب الشافعي استحبّوا الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقًا. انتهى.
فإذا ثبتت الأحاديث بذلك، وعمل بها أهل العلم، أو بعضهم، فلا وجه للإنكار.
وأما ما اعتاده الناس الآن في كثير من البلدان، من الدعاء الجماعي بعد الصلاة بأن يدعو الإمام، أو غيره، ويُؤمّن القوم فلم، يصحّ له دليل، ولا هو منقول عن السلف، كما تقدّم عن الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فالحذر كلّ الحذر من إحداث ما لم يكن في عهد السلف، فإن ذلك بلا ريب سبب التلف.
فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ ... وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، برحمتك يا أرحم الراحمين، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في حكم رفع اليدين عند الدعاء:
(اعلم): أنه قد عقد الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" بابًا لرفع اليدين في الدعاء، فقال في "كتاب الدعوات":
"باب رفع الأيدي في الدعاء": وقال أبو موسى الأشعريّ: دعا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم رفع يديه، حتى رأيت بياض إبطيه.
وقال ابن عمر: رَفَعَ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه، وقال: "اللَّهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".
قال أبو عبد اللَّه: وقال الأويسيّ: حدّثني محمد بن جعفر، عن يحيى بن سعيد، وشريك، سمعا أنسًا، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه.