قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأيُّ عَمَلٍ يُدَّعَى مع مخالفة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والخلفاء الراشدين بعده؟ . انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أجود كلام الحافظ ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقد خالف مذهبه المالكيّ في ثبوت سجود التلاوة في المفصَّل؛ لمعارضته النصوص الصحيحة، وهكذا ينبغي لمقلّدي المذاهب أن يكونوا مثله، فيقولوا إذا خالف مذهبهم النصّ الصحيح: وأيُّ قول يُدَّعى مع ثبوت النصّ الصحيح؟ ، وهذا هو مقتضى الإيمان الصادق، قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] الآية، وقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده، والنّاس أجمعين"، متّفقٌ عليه.

وأخرج البخاريّ في "صحيحه" عن عبد اللَّه بن هشام، قال: كنّا مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول اللَّه لأنت أحبُّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن، واللَّه لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الآن يا عمر".

ورُوي عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"، حسّنه النوويّ، وأعلّه ابن رجب، لكن يشهد له ما قبله.

والحاصل أن الواجب على المسلم إذا خالف مذهبه الحديث الصحيح، أن يتركه، ويعمل بما صحّ من النصّ، ويَعتَذِر عن إمامه بأنه لم يَصِل إليه هذا النصّ، أو وصل إليه لكن تأوّله، فتنبّه أيها العاقل؛ فإن هذا الأمر مهمّ جدًّا، وقد وقع في مخالفته كثير ممن يُظنّ فيهم الخير والصلاح، إلا أن الإنسان عُرْضة للخطأ، كما قال الإمام مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا مُتَّفقٌ عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015