شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد اللَّه السَّبيعيَّ، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ) بن يزيد النخعي، فيه تصريح أبي إسحاق بالسماع، وهو مدلّس، فأُمن من التدليس، على أن الراوي عنه هنا شعبة، وهو لا يروي عن المدلّسين إلا ما صرّحوا بسماعه، وقد سبق عنه أنه قال: كَفَيتكم شرّ تدليس ثلاثة: أبي إسحاق، وقتادة، والأعمش (يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ}) أي سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (?)}، وفي رواية البخاريّ: "قرأ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- النجم بمكة" (فَسَجَدَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- أي بعدما قرأ قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} (فِيهَا) أي بسبب قراءته الآية المذكورة، فـ "في" بمعنى الباء السببيّة، كما في حديث: "دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها. . . " الحديث، متّفقٌ عليه (وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ) أي مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكلمة "من" موصولة بمعنى الذين.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى قوله: "وسجد من كان معه": من كان حاضرًا قراءته من المسلمين، والمشركين، والجنّ، والإنس، قاله ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وغيره حتى شاع أن أهل مكة أسلموا (?)، وانصرف من كان هاجر إلى الحبشة لذلك.
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنها أوّلُ سجدة نزلت، قال القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما ما يرويه الأَخباريُّون والمفسَّرون أن سبب ذلك ما جَرَى على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذكر الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل، لا يصحّ فيه شيءٌ، لا من جهة النقل، ولا من جهة العقل؛ لأن مدح إله غيرِ اللَّه تعالى كُفْرٌ، ولا يصح أن ينزل على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كفرٌ، ولا أن يقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك من قِبَل نفسه مُداراةً لهم، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ لا يصحّ أن يقول على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا خلاف ما هو عليه، فقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن رآه في المنام: "فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل بصورتي"، فكيف في طريق القرآن، وما هو كفر، ولا يصح تسلُّط الشيطان على ذلك؛ لأنه يدعو إلى الشكّ في المعجزة، وصدق النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكلُّ