ولم يبلغه نهي ابن عمر عن هذا التصرف، وغفل هذا الراوي عن المناسب المقتضي لتقدم صوم رمضان على الحج، وكونه وجب قبله، وكونه يتكرّر كلّ سنة بخلاف الحجّ، وكونه يعم جميع المكلفين، والحج يتخلف عن كثير منهم لعدم الاستطاعة، وهذا الاحتمال أولى من تطرّق النسيان إلى ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أو الإنكار والرّدّ لشيء سمعه من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وإذا عرف ضعف هذه الطريقة، فنقول: إذا اتَّحَد مخرج الحديث، واختلفت ألفاظه، فإما أن يمكن ردّ إحدى الروايتين إلى الأخرى، أو يَتَعَذر ذلك، فإن أمكن ذلك تعيّن المصير إليه.

ولهذا القسم أمثلة:

أحدها: ما تقدم في حديث اعتكاف عمر -رضي اللَّه عنه-، وردّ إحدى الروايتين إلى الأخرى على عادة العرب.

الثاني: ردّ إحداهما إلى الأخرى بتقييد الأطلاق، كما في حديث يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه في النهي عن مس الذكر باليمين، فإن الروايات ترجع إلى يحيى بن أبي كثير فيه.

فقال فيه بعضهم: "ولا يمسنّ ذكره بيمينه" مطلقًا، وغيره قيّد النهي بحالة الاستنجاء، فهذا يمكن أن يكونا جميعًا ملفوظًا بهما، فيحمل رواية من تركه على رواية من ذكره، ويجعلا دليلًا على تقييد النهي بحالة البول والاستنجاء منه.

ولو جعلنا ذلك كالحديثين المستقلّين لم نحكم بتقيُّد النهي بحالة الاستنجاء والبول؛ لأن الحديث الذي تضمّن النهي مطلقًا لا يعارض الذي فيه النهي مقيّدًا بالاستنجاء أو البول، فهو من باب ذكر بعض أفراد العام، وإنما يُردّ أحد اللفظين إلى الآخر في العموم إلى الخصوص، والإطلاق إلى التقييد عند التعارض، والتنافي في بعض المدلولات.

اللهم إلّا أن يكون مفهوم التقييد يقتضي مخالفةَ المطلق، وكذلك مفهوم الخاصّ يُخالف حكم العامّ، فَيُقَيَّدُ، ويُخَصَّص بالمفهوم عند من يرى ذلك.

الثالث: ردّ إحداهما إلى الأخرى بتخصيص العامّ، ويمثّل هذا بزيادة مالك ومن تابعه عن نافع، عن ابن عمر في حديث: "صدقةُ الفطر على كلّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015