والظاهر أن القصة واحدة، ولكن الرواة تصرّفوا فيها، فرواه بعضهم بالمعنى على نحو مما سمع، فحصلت هذه الاختلافات.

فيتعيّن حينئذ إما الجمع بينها بوجه مّا، وإما الترجيح، وهذا يتعلق بقاعدة شريفة عظيمة الجَدْوَى في علم الحديث، وهي: الاختلاف الواقع في المتون بحسب الطرُق، وردّ بعضها إلى بعض، إما بتقييد الإطلاق، أو تفسير المجمل، أو الترجيح حيث لا يمكن الجمع، أو اعتقاد كونها وقائع متعددة.

قال العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولم أجد إلى الآن أحدًا من الأئمة الماضين شفَى النفس في هذا الموضع بكلام جامع يُرجَع إليه، بل إنما يوجد عنهم كلمات متفرّقة، وللبحث فيها مجال طويل.

فنقول -وباللَّه التوفيق-: إذا اختلفت مخارج الحديث، وتباعدت ألفاظه، فالذي ينبغي أن يجعلا حديثين مستقلين، وذلك كحديث أبي هريرة، وعمران بن حصين، ومعاوية بن حُدَيج في هذا الباب، كما سبق بيانه، وهذا لا إشكال فيه.

وأما إذا اتَّحَد مخرج الحديث، وتقاربت ألفاظه، فالغالب حينئذ على الظنّ أنه حديث واحد، وقع الاختلاف فيه على بعض الرواة، لا سيّما إذا كان ذلك في سياقة واقعة يبعد أن يتعدد مثلها في الوقوع، كحديث أبي هريرة وحده في قصة السهو.

فالذي يسلكه كثير من الفقهاء أن يُحْمَل اختلاف الألفاظ على تعدد الوقائع، ويُجعل كلُّ لفظ بمنزلة حديث مستقلّ، وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محيي الدين -يعني النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتبه كثيرًا، كما تقدم عنه من جعله حديث أبي هريرة الذي نتكلم عليه وقع مرتين للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أحدهما في صلاة الظهر، والآخر في العصر من أجل صحة كلّ من اللفظين، حتى إنه قال في حديث ابن عمر: أن عمر -رضي اللَّه عنه- كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه، فأمره أن يفي بنذره، وجاء في رواية: اعتكاف يوم، وكلاهما في الصحيح.

فقال الشيخ محيي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هما واقعتان، وكان على عمر -رضي اللَّه عنه- نذران، فسأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن هذا مرّة، وعن الآخر مرّة أخرى، واستَدَلّ بذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015