والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتعظيمه عن الاعتراض عليه، وأما ذو اليدين، فغلب عليه حرصه على تعلم العلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني أنهما بما غلبهما من احترام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وتعظيمه، وإكبار مقامه الشريف امتنعا من تكليمه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع علمهما بأنه سيَبِين أمر ما وقعَ، ولعلّه بعد النهي عن السؤال، كما قرّرناه في "كتاب الإيمان".

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما هيبة أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- أن يُكَلّماه مع قربهما منه، واختصاصهما به فلشدّة معرفتهما بعظمته وحقوقه، وقوّةُ المعرفة توجب الهيبة، كما أن أشدّ الناس معرفةً باللَّه أشدهم له خشيةً وهيبةً وإجلالًا، كما كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كذلك. انتهى.

وقال الحافظ العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى الحديث: أن أبا بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- لَمّا غَلَبَ عليهما من احترام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتعظيمه، وإكبار مقامه الشريف امتنعا من تكليمه.

هذا مع ما روَى الترمذيّ في "جامعه" بسند جيّد عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخرُج على أصحابه، فلا ينظر إليه أحد سوى أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما-، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويبتسمان إليه، ويبتسم إليهما.

ففي هذا المقام غلبت عليهما الهيبة له -صلى اللَّه عليه وسلم- مع علمهما بأنه سيتبيّن أمرُ مَا وقع.

وأما إقدام ذي اليَدِين على السؤال والفحص ابتداءً، فهو لشدة حرصه على تعلم العلم، واعتنائه بأمر الصلاة. انتهى.

وقوله: "أن يكلماه" (?) في موضع نصب بدل من الهاء في "هاباه"، بدل ظاهر من مضمر، وهو بدل اشتمال، والتقدير "فهاباه تكليمه"، والمعنى: "هابا تكليمه"؛ لأن البدل هو المقصود بالنسبة، أفاده العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

(وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ) بفتحات: هم أوائل الناس خروجًا من المسجد، وهم أصحاب الحاجات غالبًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015