حَرَكة ولا زوالًا ولا انتقالًا؛ لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسمًا أو جوهرًا، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه حَرَكَة ولا نُقْلَة، ولو اعْتَبَرت ذلك بقولهم: جاءت فلانًا قيامته، وجاءه الموت، وجاءه المرض، وشبه ذلك مما هو موجود نازل به، ولا مجيء لبان لك، وباللَّه العصمة والتوفيق.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لم يرد نصّ بإطلاق الجسم والجوهر على اللَّه تعالى لا إثباتًا، ولا نفيًا، فالأولى عدم الخوض في ذلك، حتى يثبت لدينا نصّ نَعتمِد عليه، واللَّه تعالى أعلم.

قال أبو عمر: فإن قال: إنه لا يكون مستويًا على مكان إلا مقرونًا بالتكييف. قيل: قد يكون الاستواء واجبًا، والتكييف مرتفع، وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء، ولو لَزِم هذا لزم التكييف في الأزل؛ لأنه لا يكون كائن في لا مكان إلا مقرونًا بالتكييف، وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحًا في أبداننا، ولا نعلم كيفية ذلك، وليس جهلنا بكيفية الأرواح، يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفية استوائه على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه.

ثم أخرج بسنده عن عبد اللَّه بن نافع، قال: قال مالك بن أنس: اللَّه -عزَّ وجلَّ- في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجلَ سَوْء.

قال: وقد رَوَينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال في قول اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} مثل قول مالك هذا سواءً.

وأما احتجاجهم بقوله -عزَّ وجلَّ-: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} الآية [المجادلة: 7]، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية؛ لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حُمِلت عنهم التأويل في القرآن، قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحدٌ يُحْتَجّ بقوله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015