يجوز له - صلى الله عليه وسلم - القول في الأمور الدينية إلا عن وحي، فليس يمتنع أن يكون قد نَزَل عليه - صلى الله عليه وسلم - عند مخاطبته عمر - رضي الله عنه - وحيٌ بما أجابه به، ناسخٌ لوحيٍ سَبَقَ بما قاله - صلى الله عليه وسلم - أوّلًا.

قال النوويّ بعد ذكر كلام ابن الصلاح هذا: ما نصّه: وهذه المسألة، وهي اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - فيها تفصيل معروف.

فأما أمور الدنيا فاتفق العلماء - رضي الله عنهم - على جواز اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - فيها، ووقوعه منه.

وأما أحكام الدين، فقال أكثر العلماء بجواز الاجتهاد له - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه إذا جاز لغيره فله - صلى الله عليه وسلم - أولى، وقال جماعة: لا يجوز له لقدرته على اليقين، وقال بعضهم: كان يجوز في الحروب دون غيرها، وتوقف في كل ذلك آخرون، ثم الجمهور الذين جوَّزوه اختلفوا في وقوعه، فقال الأكثرون منهم: وُجِدَ ذلك، وقال آخرون: لم يوجد، وتوقف آخرون، ثم الأكثرون الذين قالوا بالجواز والوقوع، اختلفوا هل كان الخطأ جائزًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، فذهب المحققون إلى أنه لم يكن جائزًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، وذهب كثيرون إلى جوازه، ولكن لا يُقَرُّ عليه بخلاف غيره، وليس هذا موضع استقصاء هذا، والله تعالى أعلم، انتهى (?).

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يأخذ في أمور الدنيا باجتهاده، ويرجع عن رأيه فيها أحيانًا إلى رأي غيره، كما فعل في تلقيح النخل، وفي النزول ببدر، وفيما هَمَّ به من مُصالحة الأحزاب، ولا خلاف في ذلك.

واختلف العلماء هل كان يجتهد برأيه في الشرعيّات فيما لم ينزل عليه فيه شيء أم لا؟ وهل هو معصوم في اجتهاده، أم هو كسائر المجتهدين؟ والصواب جواز الاجتهاد له، ووقوعه منه، وعصمته فيه على كلّ حال، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} الآية [النساء: 105]، ودلّت الآثار الصحيحة على اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في نوازل، وحكمه فيها برأيه، كقصّة أسرى بدر، قاله القاضي عياض (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015