6 - (ومنها): جوازُ دخول الإنسان ملكَ غيره بغير إذنه إذا عَلِمَ أنه يَرْضَى ذلك؛ لمودة بينهما، أو غير ذلك؛ فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - دَخَلَ الحائط، وأقرّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولم يُنْقَل أنه أنكر عليه.
قال النوويّ رحمه الله تعالى: وهذا غير مُخْتَصٍّ بدخول الأرض، بل يجوز له الإنتفاع بأدواته، وأكل طعامه، والحمل من طعامه إلى بيته، وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يَعْلَمُ أنه لا يشقّ على صاحبه.
هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف، من العلماء رحمة الله عليهم، وصرح به أصحابنا.
وقال أبو عمر بن عبد البر: وأجمعوا على أنه لا يَتَجَاوَزُ الطعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما، وفي ثبوت الإجماع في حَقِّ مَن يُقْطَع بطيب قلب صاحبه بذلك نظرٌ، ولعل هذا يكون في الدراهم الكثيرة التي يُشَكّ، أو قد يُشَكّ في رضاه بها، فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقًا فيما تشكك في رضاه به.
ثم دليل الجواز في الباب الكتاب والسنة، وفِعلُ وقولُ أعيانِ الأمة، فالكتاب قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إلى قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61]، والسنة هذا الحديث، وأحاديث كثيرة معروفة بنحوه، وأفعال السلف، وأقوالهم في هذا أكثر من أن تحصى، والله تعالى أعلم، انتهى كلام النوويّ (?)، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم.
7 - (ومنها): أن الإمام، وكبير القوم مطلقًا إذا رأى شيئًا، ورأى بعض أتباعه خلافَه أنه ينبغي للتابع أن يَعْرِضه على المتبوع؛ لينظر فيه، فإن ظَهَر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع إليه، وإلا بَيَّنَ للتابع جواب الشبهة التي عَرَضَتْ له.
8 - (ومنها): مشروعيّة إرسال الإمام، والمتبوع إلى أتباعه بعلامة يَعرِفونها؛ ليزدادوا بها طُمأنينةً.