أو المراد محلّ صلاة، وهذا أولى؛ لأنه يؤيّده قوله: "فأيما رجل أدركته الصلاة صلّى"، وعبارة الفتح: ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبنيّ للصلاة، وهو من مجاز التشبيه؛ لأنه لَمّا جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد المبنيّ في ذلك.
وقال ابن التين: قيل: المراد جُعلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا، وجُعلت لغيري مسجدًا، ولم تُجعل له طَهورًا؛ لأن عيسى -عليه السلام- كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال، وسبقه إلى ذلك الدّاوُديّ، وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض، إلا فيما تيقنوا نجاسته، والأظهر ما قاله الخطابيّ، وهو أنّ مَن قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة، كالْبِيَعِ والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: "وكان مَن قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم"، وهذا نصّ في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- نحو حديث الباب، وفيه: "ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ مِحْرابه". انتهى (?).
وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر حديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- المذكور ما نصّه: وقد تبيّن بهذا أن معنى اختصاصه عن الأنبياء بأن الأرض كلّها جُعلت مسجدًا له ولأمته أن صلاتهم لا تختصّ بمساجدهم المعدّة لصلاتهم، كما كان من قبلهم، بل يُصلّون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض، وهذا لا يُنافي أن يُنهى عن الصلاة في مواضع مخصوصة من الأرض لمعنى يختصّ بها، كما نُهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي المقبرة، والحَمّام. انتهى (?).
(فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ) "أَيُّ" مبتدأ فيه معنى الشرط يجزم الفعلين، و"ما" زائدة لتأكيد العموم، و"رجلٍ" مضاف إليه "أيُّ"، و"أدركته الصلاة" وهو فعل الشرط في محلّ جزم، وهو العامل في الظرف، و"الصلاة" فاعل مؤخّر، وقوله: (صَلَّى) خبر المبتدأ، وقوله: (حَيثُ كَانَ) ظرف لـ "صلّى"، وهو لتأكيد