وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا النهي مُعَلَّل بأمرين:
أحدهما: أن في ذلك تَعَرِّي أعالي البدن، ومخالفة الزينة المسنونة في الصلاة.
والثاني: أن الذي يفعل ذلك إما أن يَشْغَل يده بإمساك الثوب أو لا، فإن لم يَشْغَل خيف سقوط الثوب، وانكشاف العورة، وإن شُغِل كان فيه مفسدتان:
إحداهما: أنه يمنعه من الإقبال على صلاته، والاشتغال بها.
الثانية: أنه إذا شَغَل يديه في الركوع والسجود، لا يؤمن من سقوط الثوب، وانكشاف العورة.
ونُقِل عن بعض العلماء القول بظاهر هذا الحديث، ومَنَعَ الصلاة في السراويل والإزار وحده؛ لأنها صلاة في ثوب واحد، ليس على عاتقه منه شيء، وهذا مخصوص بغير حالة الضرورة، والأشهر عند الفقهاء خلافُ هذا المذهب، وجوازُ الصلاة بما يَسْتُر العورة، وعارضوا هذا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لجابر -رضي اللَّه عنه- في الثوب: "وإن كان ضَيِّقًا فاتَّزِر به"، ويُحْمَل هذا النهي على الكراهة. انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الحقّ أن النهي للتحريم، وأن حديث جابر -رضي اللَّه عنه- محمول على حالة الضرورة، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في بيان اختلاف أهل العلم في حكم ستر العاتقين في الصلاة:
قال النوويّ ما حاصله: ذهب مالكٌ، وأبو حنيفة، والشافعيّ -رحمهم اللَّه تعالى- والجمهور إلى أن هذا النهي للتنزيه، لا للتحريم، فلو صلى في ثوب واحدٍ ساترٍ لعورته، ليس على عاتقه منه شيء صحّت صلاته مع الكراهة، سواءٌ قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا.
وقال أحمد، وبعض السلف -رحمهم اللَّه تعالى-: لا تصح صلاته إذا