الوصفين؛ تحذيرًا عن الإفراط والتفريط، فإن كثيرًا ممن يدّعي أنه من أمته يُفْرِط بالغلوّ قولًا وفعلًا، فيرفعه فوق مَنْزلته من العبوديّة، ويُفَرّط بترك متابعته، معتمدًا على آرائه، أو آراء مقلّديه المخالفة لما جاء به، ويتعسّف في تأويل أخباره وأحكامه بصرفها عن مدلولها، فشهادة أن محمدًا عبده ورسوله تنافي ذلك؛ لأنَّها تقتضي الإيمان به، وتوجب تصديقه فيما به أخبر، وطاعته فيما به أَمَر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وأن تُعَظَّم سنّته، ولا يُقدّم عليها قول أحد كائنًا من كان.

وقد بيّن هذا في الحديث الآخر، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" من حديث عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله".

وقد ورد وصفه بهاتين الصفتين في الكتب السابقة أيضًا، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" (2125) عن عطاء بن يسار، قال: لَقِيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} [الأحزاب: 45] وحرزًا للأميين أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظّ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلَّا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا".

4 - (ومنها): بيان بطلان - ما عليه النصارى من اعتقادهم في عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - أنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

5 - (ومنها): بيان ضلال اليهود الذين يعتقدون في عيسى وأمه - عَلَيْهِ السَّلَام - ما لا يليق بهما، من أنَّها حملته من الزنا، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].

6 - (ومنها): بيان فضل عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - حيث إنه كلمة الله تعالى، وروح منه.

7 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى من الضلال في عيسى وأمه - عَلَيْهِ السَّلَام -، والتحذير من ذلك بأن عيسى عبد الله، لا إله، ولا ولد، وأمّه أَمَةُ الله تعالى، ومملوكة له، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوًّا كبيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015