ولهذا لَمّا فَهِمَ بعض من نَكَّس اللَّه قلبه أن التخفيف المأمور به هو ما يُمكن من التخفيف، اعتَقَدَ أن الصلاة كلّما خُفّفت، وأُخِّرت كانت أفضل، فصار كثير منهم يمرّ فيها مرّ السَّهْم، ولا يزيد على "اللَّه أكبر" في الركوع والسجود بسرعة، فكاد سجوده يسبق ركوعه، وركوعه يكاد يسبق قراءته، وربّما ظنّ الاقتصار على تسبيحة واحدة أفضل من ثلاث.

ويُحْكَى عن بعض هؤلاء أنه رأى غُلامًا له يَطمئنّ في صلاته، فضربه، وقال: لو بعثك السلطان في شغل أكنت مبطئًا عن شغله مثل هذا الإبطاء؟ وهذا كلُّه تلاعب بالصلاة، وتعطيلٌ بها، وخِدَاعٌ من الشيطان. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله العلّامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الحقّ، وإن اعتَرَض عليه الصنعانيّ، وطوّل الكلام في الرّدّ عليه في كتابه "العدّة حاشية العمدة" (?).

وخلاصة ما أشار إليه ابن القيّم: أن ما ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من كيفيّة الصلاة هو الذي أمر به، فقد كان يُخفّف أحيانًا، ويُطوّل أحيانًا على حسب ما يراه من حال المأمومين، فقد ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خفّف صلاته، فقرأ في العشاء {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (?)}، وكان ذلك في السفر، وقد روي أنه قرأ بها في المغرب، ولم يُذكر السفر، وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقرأ بقصار المفصّل، ولا يُعارضه حديث زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- أنه أنكر على مروان قراءته بقصار المفصّل؛ لأنه أنكر استمراره على ذلك، وجاء في "الصحيح" أنه قرأ فيها {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (?)}، وكذلك ورد أنه قرأ بها في صلاة الظهر، وكذلك صلّى الصبح بـ "الزلزلة" في الركعتين، وقرأ فيه أيضًا "المعوّذتين"، ونحو ذلك من رواية قراءته بالسور القصار.

وثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه طوّل في بعض الأحيان، فقرأ في المغرب {وَالْمُرْسَلَاتِ}، و {الطُّورِ}، وبطولى الطوليين، وظاهره أنه أتمّها، فقول القاضي عياض: إن المراد بعضها خلاف الظاهر، وكان يطوّل في الصبح، فيقرأ في الركعتين ما بين الستّين والمائة، وصلاها أيضًا بـ {الْمُؤْمِنُونَ} حتى إذا جاء ذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015