(نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ) أي نكدّ فيه بعمل الزراعة، وسقي النخيل بالنواضح؛ لأمر المعاش، وأراد الرجل بذلك الاعتذار إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه صاحب عَمَل وتعبٍ شديد في النهار، ومن كان كذلك لا يستطيع تطويل الصلاة.
وفي رواية للنسائيّ: "فأتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إن معاذًا يصلّي معك، ثم يأتينا فيؤمّنا، وإنك أخّرت الصلاة البارحة، فصلّى معك، ثم رجع فأمّنا، فاستفتح بـ "سورة البقرة"، فلما سمعت ذلك تأخّرت، فصلّيتُ، وإنما نحن أصحاب نواضح، نعمل بأيدينا".
وفي رواية: "عملتُ على ناضحي من النهار، فجئت، وقد أُقيمت الصلاة، فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فطوّل، فانصرفتُ، فصلّيتُ في ناحية المسجد".
(وَإِن مُعَاذًا) بكسر همزة "إن" عطفًا على "إن" الأولى (صلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى) وفي نسخة: "ثم أتانا" (فَافْتَتَحَ بـ "سُورَةِ الْبَقَرَةِ") وفي نسخة: "فافتتح سورة البقرة".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الظاهر أن معاذًا -رضي اللَّه عنه- أراد أن يقرأها كلّها في تلك الصلاة، ويَحْتَمِل أنه أراد أن يقرأ بعضها، ويركع، فتوهّم الرجل أنه أراد إتمامها، فقطع صلاته، فعاتبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على إيهامه ذلك، فإنه سبب للتنفير.
لكن يُبعد هذا الاحتمال إنكاره -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتوبيخه على ذلك؛ إذ لو أراد أن يقرأ بعضها، لبيّن للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، فعذره، وترك تعنيفه، واللَّه تعالى أعلم.
(فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى مُعَاذٍ، فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ) خطاب عتاب (أفَتَّانٌ أَنْتَ؟ ) مبتدأ وخبر، والهمزة للاستفهام الإنكاريّ والتوبيخيّ؛ أي أنت منفّرٌ عن الدين، وصادٌّ عنه، يعني أنه لا ينبغي، ولا يجوز لك ذلك.
وفي رواية أبي الزبير التالية: "أتريد أن تكون فتّانًا يا معاذ؟ "، وفي رواية النسائيّ: "أفتّانٌ يا معاذ، أفتّانٌ يا معاذ، أفتّانٌ يا معاذ؟ " بالتكرار ثلاثًا بالرفع، وفي "الكبرى" له: "أفتّانًا يا معاذ؟ " بالتكرار ثلاثًا، والنصب، ولأحمد في حديث معاذ بن رِفاعة المتقدم: "يا معاذُ لا تكن فاتنًا"، وزاد في حديث أنس: "لا تُطَوّل بهم".