يَخْلُص عند السبك، واتِّباع السنة أولى، والتخصيصُ لا يثبت بالاحتمال، قال: إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول: الحال أحد وجوه التخصيص، وحال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتبرك به، وعدم العِوَض عنه، يقتضي الصلاة معه على أيِّ حال كان عليها، وليس ذلك لغيره، وأيضًا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يُتَصَوَّر في حقه، ويتصور في حق غيره.

والجواب عن الأول ردُّه بعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حقّ القادر في النافلة، وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم.

واستُدِلّ به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدًا إذا صلّى الإمام قاعدًا؛ لكونه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرّ الصحابة على القيام خلفه، وهو قاعدٌ، هكذا قرره الشافعيّ، وكذا نقله البخاريّ في آخر الباب عن شيخه الحميديّ، وهو تلميذ الشافعيّ، وبذلك يقول أبو حنيفة، وأبو يوسف، والأوزاعيّ، وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك.

وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدًا لمرض يُرْجَى برؤه، فحينئذ يصلّون خلفه قُعُودًا، ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائمًا لزم المأمومين أن يصلُّوا خلفه قيامًا سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدًا أم لا، كما في الأحاديث التي في مرض موت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن تقريره لهم على القيام دلّ على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة؛ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائمًا، وصلَّوا معه قيامًا بخلاف الحالة الأولى، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ابتدأ الصلاة جالسًا، فلما صلَّوا خلفه قيامًا أنكر عليهم.

ويُقَوِّي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيّما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين؛ لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلّي قاعدًا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلّى إمامه قاعدًا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيد، وأبعد منه ما تقدَّم عن نقل عياض، فإنه يقتضي وقوع النسخ ثلاث مرات.

وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية، كابن خزيمة، وابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015