وإنما عَيَّنَ سورة المائدة؛ لكونها أظهر في مشروعيّة تيمّم الجنب من آية النساء؛ لتقدّم حكم الوضوء في المائدة.
وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}؟ [المائدة: 6] بدلٌ من "الآية، أو عطف بيان.
قال الخطّابيّ وغيره: فيه دليلٌ على أن عبد الله بن مسعود كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع، فلهذا لم يَدفع دليل أبي موسى - رضي الله عنه -، وإلا لكان يقول له: المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع، وجَعْلُ التيمّم بدلًا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلًا من الغسل. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الخطابيّ وغيره من أن ابن مسعود - رضي الله عنه - يرى أن المراد بالملامسة الجماع واضح من هذه القصّة، وتَعَقُّب العينيّ تبعًا للكرمانيّ مما لا يخفى بُعْده على من تأمله، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعود - رضي الله عنه - (لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ) بالبناء للمفعول (فِي هَذِهِ الْآيَةِ) "في" هنا سببيّة، كما في حديث: "عُذّبت امرأة في هرّة حبستها"، متّفقٌ عليه، أي بسبب هذه الآية (لَأَوْشَكَ) أي أسرع، قال في "القاموس": وَشُكَ الأمرُ، ككَرُمَ: سَرُعَ، كَوَشَّكَ، وأوشك: أسرع السيرَ؛ كَوَاشَك، ويوشِكُ الأمرُ أن يكون، وأن يكونَ الأمرُ، ولا تُفْتَحُ شينه، أو لغةٌ رَدِيَّةٌ. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ رَحمه اللهُ: يُوشِك أن يكون كذا من أفعال المقاربة، والمعنى: الدنوّ من الشيء، قال الفارابيّ: الإيشاك: الإسراع، وفي "التهذيب" في باب الحاء: وقال قتادة: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: إن لنا يومًا أوشك أن نستريح فيه، ونَنْعَمَ"، لكن قال النحاة: استعمال المضارع أكثر من الماضي، واستعمال اسم الفاعل منها قليلٌ، وقال بعضهم: وقد استعملوا ماضيًا ثلاثيًّا، فقالوا: وَشُكَ مثلُ قَرُبَ، وُشْكًا. انتهى (?).
قال ابن مالك رحمه اللهُ في "خلاصته":
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعًا لِـ "أَوْشَكَا" ... وَ"كَادَ" لَا غَيْرُ وَزَادُوا "مُوشِكَا"