يقرَبَ مواضع الصلاة ما لم يتطهّر، فيجتنبها، وقال الشافعيّ: إنما سُمّي جُنُبًا من المخالطة، ومن كلام العرب: أجنب الرجلُ: إذا خالط امرأته، وهذا ضدّ المعنى الأول، كأنه من القرب منها. انتهى (?).
(فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا) المراد طول المدّة، لا التحديد بالشهر (كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ ) أي هل يصلّي بالتيمّم، أم يترك الصلاة؟ ، وفي رواية البخاريّ: "لو أن رجلًا أجنب، فلم يجد الماء شهرًا، أما كان يتيمّم، ويُصلّي؟ " (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعود - رضي الله عنه - (لَا يَتَيَمَّمُ) يعني أنه لا يُصلي؛ لعدم ما يتوضّأ به (وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا) قال القرطبيّ رحمه اللهُ: كان مذهب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن الجنب لا يتيمّم؛ لأنه ليس داخلًا في عموم {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43]، ألا تراه قد سَلَّم ذلك لأبي موسى، ونحا إلى منع الذريعة، وكأنه كان يعتقد تخصيص العموم بالذريعة، ولا بُعْدَ في القول به على ضعفه.
وأما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فكان يرى أن الآية لا تتناول الجنب رأسًا، فمنعه التيمّم لذلك، وتوقّف في حديث عمّار - رضي الله عنه -؛ لكونه لم يَذْكُره حين ذَكَّرَه به، وقد صحّ عن عمر، وابن مسعود أنهما رجعا إلى أن الجنب يتيمّم، وهو الصحيح؛ لأن الآية بعمومها متناولة له، ولحديث عمّار - رضي الله عنه - المذكور هنا، وحديث عمران بن الحصين - رضي الله عنهما -، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له: أصابتني جنابةٌ ولا ماء، فقال له: "عليك بالصعيد، فإنه يكفيك"، متّفقٌ عليه، وهذا نصّ رافعٌ للخلاف. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في المسألة الخامسة في الحديث (822) تحقيق القول في مسألة تيمّم الجنب، وأن الراجح جوازه، وهو مذهب الجمهور، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ أَبُو مُوسَى) - رضي الله عنه - (فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ) وفي رواية البخاريّ: "فكيف تصنعون بهذه الآية؟ "، وقوله: (فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ) متعلّق بصفة لـ "الآية"، أو حال منه.