ويتكوّن الجنين باختراق حيوان منويّ واحد جدار البويضة، واستقراره فيها، وهنا تلتقي العوامل الوراثية للذكر بالعوامل الوراثيّة للأنثى، فتعلو وتغلب إحداهما الأخرى.

ولا يتنافى هذا التشريع الطبيّ مع أحاديثنا التي تُثبت للمرأة ماءً، ولا مع تفسير المفسّرين لقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 5 - 7] حيث قالوا: من بين صلب الرجل، ومن بين ترائب المرأة، فإن منيّ الرجل الذي يتم تكوينه في الخصية مرّ بالصلب كمرحلة من مراحله، وإن بويضة المرأة التي تتكون في المهبل هي في أصلها ماء يخرج من بين ترائب المرأة، كمرحلة من مراحله.

إن الطب لا ينكر أن المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل، ولا يُنكر أن المرأة تفرز عند شهوتها ماء رقيقًا أصفر، وإن قال: إن اللقاح يتم عن طريق البويضة.

لقد كان الهنود قبل المسيحيّة يعتقدون أن الأب هو عامل التكوين في إيجاد الطفل؛ إذ يضع البذرة في بطن المرأة، وأن المرأة ليست أكثر من حقل لإنماء هذه البذرة، وأخذ عنهم المصريون القدامى هذه الفكرة، وتأثر بهم كذلك اليونان والرومان، وكان هذا هو الشائع حين سأل اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال: "لا يعلمه إلا نبيّ، أو رجلٌ أو رجلان"، وكان جوابه - صلى الله عليه وسلم - دليلًا على صدقه، بل إن أوربا لم تكتشف مشاركة ماء المرأة ماء الرجل في تكوين الجنين إلا عام (1667 م) حين اكتشف عالم التشريح الفلورنسي "ستينو" البويضة عند المرأة، ثم تابع العلم اكتشافات وراثة الطفل لأبويه في الصفات، ولكنه كعادته حين يعجز عن إدراك الطريقة والسبب يعزو الأمر إلى الصدفة.

يقول الدكتور فاخر عاقل رئيس قسم علم النفس بجامعة دمشق: أما الثلاثة والعشرون صبغيًا - أي عاملًا وراثيًّا - الموجودة في النطفة، والتي ستلتقي بالثلاثة والعشرين صبغيًا الأخرى الموجودة في البويضة، والتي ستكون المخلوق الجديد، فأمرها متروك للصدفة مرّة أخرى، وهكذا تكون قوانين الوراثة قوانين متصلة بالصدفة في تجمع الصبغيات في كل بويضة أو نطفة. اهـ.

ولكن الإسلام يقول: إن علوّ عوامل الوراثة في ماء الرجل وغلبتها لمثيلاتها عند المرأة مرتبط بعلم الله تعالى، ومشيئته جلّت قدرته: {يَخْلُقُ مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015