وأيضًا فقد ثبت في "الصحيح" أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلّي في مَرابض الغنم، وأنه أَذِن في الصلاة في مرابض الغنم من غير اشتراط حائل، ولو كانت أبعارها نَجِسةً لكانت مرابضها كحُشُوش بني آدم، وكان ينهى عن الصلاة فيها مطلقًا، أو لا يصلى فيها إلا مع الحائل المانع، فلما جاءت السنّة بالرخصة في ذلك، كان مَن سَوَّى بين أبوال الآدميين، وأبوال الغنم مخالفًا للسنّة.
وأيضًا فقد طاف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالبيت على بعيره مع إمكان أن يبول البعير.
وأيضًا فما زال المسلمون يدُوسون حُبوبهم بالبقر مع كثرة ما يقع في الحبّ من البول وأخباث البقر.
وأيضًا فإن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز التنجيس إلا بدليل، ولا دليل على النجاسة؛ إذ ليس في ذلك نصّ، ولا إجماع، ولا قياس صحيح. انتهى كلام شيخ الإسلام (?)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، وقد ذكر في رسالة أخرى لترجيح هذا المذهب بضعة عشر دليلًا (?)، فأجاد، وأفاد.
وقال العلامة الشوكانيّ بعد ذكر الأقوال المتقدّمة: والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان، يؤكل لحمه؛ تمسكًا بالأصل، واستصحابًا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعيّ، ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يُقْبَل قول مُدَّعِيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلًا كذلك، وغاية ما جاؤوا به حديث صاحب القبر، وهو مع كونه مُرادًا به الخصوص كما سلف عمومٌ ظنيُّ الدلالة، لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف.
[فإن قلت]: إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يَرِدَ دليلٌ، فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول، وزِبْله على العموم؟ .
[قلت]: قد تمسكوا بحديث: "إنها رِكْسٌ"، قاله - صلى الله عليه وسلم - في الروثة، أخرجه