وجمعنا بين الروايتين أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الإشارة والقول، وأن ذلك كان قبل شروعه في البول، فلا يكون دليلًا لإباحة الكلام في حالة البول، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": قوله: "فأشار إليّ" يدلّ على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه، وإنما صَنَعَ ذلك؛ ليجمع بين المصلحتين: عدمِ مشاهدته في تلك الحالة، وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له، وهو مستدبره، وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول؛ لأن هذه الرواية بَيَّنَت أن قوله في رواية مسلم: "ادنُهْ" كان بالإشارة، لا باللفظ.
قال الجامع عفا الله عنه: قد عرف فيما ذكرته آنفًا أنه لا حاجة إلى هذا التأويل؛ لأن قوله: "ادنُهْ" كان قبل شروعه في البول، لا فيه، فلا يلزم ما ذكره، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
قال: وأما مخالفته - صلى الله عليه وسلم - لِمَا عُرِف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة، وعن أعين النّظّارة، فقد قيل فيه: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولًا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستَدْنَى حذيفة ليستره من خلفه، مِن رؤية مَن لعله يمر به، وكان قدامه مستورًا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز، ثم هو في البول، وهو أخفّ من الغائط؛ لاحتياجه إلى زيادة تكشّف، ولما يقترن به من الرائحة، والغرض من الإبعاد: التستر، وهو يحصل بإرخاء الذيل، والدنُوّ من الساتر. انتهى (?).
(فَجِئْتُ) إليه - صلى الله عليه وسلم - (فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ) وفي نسخة "عَقِبيه" بالتثنية، ولا اختلاف بينهما؛ لأن المفرد المضاف يعمّ، فيكون بمعنى التثنية، و"العقب" بفتح العين، وكسر القاف: مؤخّر القدم، وهي مؤنّثة (حَتَّى فَرَغَ) غاية لقيامه عند عقبه؛ أي قمت عند عقبه - صلى الله عليه وسلم - إلى أن انتهى من بوله. والحديث متّفق عليه، وقد سبق بيان مسائله في الحديث الماضي، فلا حاجة إلى إعادته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.