نفس واحد ما شاء، ولا أرى بأسًا بالشرب من نفس واحد، وأرى فيه رخصة لموضع الحديث: "إني لا أروى من نفس واحد"، قال أبو عمر: يريد مالك - رَحِمَهُ اللهُ - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ ينه الرجل حين قال له: "إني لا أروى من نفس واحد" أن يشرب في نفس واحد، بل قال له كلامًا، معناه: فإن منت لا تروى في نفس واحد، فأبن القدح عن فيك، وهذا إباحة منه للشرب من نفس واحد إن شاء الله.
وقد رُوِيت آثار عن بعض السلف فيها كراهة الشرب في نفس واحد، وليس منها شيء تجب به حجة، ثم أخرج بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: الشراب بنفس واحد شرب الشيطان، وفي سنده إبراهيم بن أبي حبيبة، قال أبو عمر: ضعيفٌ، لا يحتجّ به، ولو صح كان المصير إلى المسند أولى من قول الصاحب (?).
قال الجامع عفا الله عنه: يعني أن ما دلّ عليه حديث أبي سعيد - رضي الله عنهما - من جواز الشرب بنفس واحد أولى من هذا الموقوف الضعيف؛ لأنه مرفوع، وصحيح.
والحاصل أن الشرب بنفس واحد لا كراهة فيه، ولكن المستحبّ أن يشرب بثلاثة أنفاس؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: إنه أروي، وأبرأ، وأمرأ، قال أنس: فأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا، متّفقٌ عليه، واللفظ لمسلم. وسيأتي تمام البحث في "كتاب الأشربة" - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاستنجاء باليمين:
ذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه، وذهب الظاهريّة إلى أنه للتحريم، حتى قال الحسين بن عبد الله الناصريّ في كتابه "البرهان على مذهب