وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: "برجيع، أو بعظم" الرَّجِيع: الْعَذِرة، والأرواث، ولا يُستنجى بها؛ لنجاستها، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حين أتاه بالحجرين والروثة: "إنها رجسٌ"، رواه البخاريّ. وقد أخرج أبو داود في "سننه" بسند صحيح، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَدِم وَفْدُ الجن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقالوا: يا محمد انْهَ أُمّتك أن يستنجوا بعظمٍ، أو روثة، أو حُمَمة، فإن الله تعالى جَعَلَ لنا فيها رزقًا (?).
وأخرج البخاريّ في "المناقب" من "صحيحه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يَحْمِل مع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إداوةً لوضوئه، وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: "مَنْ هذا؟ " فقال: أنا أبو هريرة، فقال: "ابغني أحجارًا، أستنفض بها، ولا تأتني بعظم، ولا بروثة"، فأتيته بأحجار، أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعتها إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ ، قال: "هما من طعام الجنّ، وإنه أتاني وَفْدُ جنّ نَصِيبين - ونعم الجنُّ - فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يَمُرُّوا بعظم، ولا بروثة، إلا وَجَدُوا عليها طعامًا" (?).
وأخرج المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - في "الصلاة" حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - بطوله، وفيه: وسألوه الزاد، فقال: لكم كلُّ عظم ذُكِر اسمُ الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة عَلَفٌ لدوابكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم" (?).
وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة السابعة - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث سلمان - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.