قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: جواب سلمان هذا من باب أسلوب الحكيم؛ لأن المشرك لَمّا استهزأ كان من حقّه أن يُهَدَّد، أو يُسكَت عن جوابه، لكن ما التفت سلمان إلى استهزائه، وأجاب جواب المرشد للسائل المجِدّ. انتهى.
وقال بعضهم: يحتمل أنه ردٌّ له بأن ما زعمه سببًا للاستهزاء ليس بسبب له، بل المسلم يصرِّح به عند الأعداء؛ لأنه أمرٌ يُحسّنه العقل عند معرفة تفصيله، فلا عبرة بالاستهزاء به؛ لإضافته إلى أمر مستقبح ذكرُهُ، والجواب بالردّ لا يُسمّى أسلوب الحكيم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: أسلوب الحكيم نوعٌ من أنواع الْمُحَسِّنات البديعيّة المعنويّة، وهو تَلَقِّي المخاطب بغير ما يترقّبه، إما بترك سؤاله، والإجابة عن سؤال لم يسأله، وإما بحمل كلامه على غير ما كان يقصد؛ إشارةً إلى أنه كان ينبغي له أن يسأل هذا السؤال، أو يَقصِد هذا المعنى.
إذا تقرّر هذا، فقد اتّضح أن ما قاله الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - من أن جواب سلمان - رضي الله عنه - من أسلوب الحكيم هو الحقّ، لا الاحتمال الذي ذكره البعض، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(لَقَدْ نَهَانَا) اللام واقعة في جواب قسم مقدَّر؛ لتأكيد الجملة؛ لمناسبة إنكار السائل، أي: والله لقد نهانا نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) و"أن" مصدريّة، والمؤوّل بالمصدر مجرور بحرف جرّ مقدّر قياسًا، أي عن استقبال القبلة، والمراد الاستقبال بالفروج، كما هو في رواية "الموطّأ": "لا تستقبلوا القبلة بفروجكم"، و"أل" في "القبلة" للعهد، والمعهود الكعبة، كما فُسِّر بذلك في حديث أبي أيوب الآتي، حيث قال: "فقدمنا الشامَ، فوجدنا مَراحيضَ قد بُنِيت نحو الكعبة" الحديث (لِغَائِطٍ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كذا ضبطناه في مسلم: "لغائط" باللام، ورُوي في غيره: "بغائط"، ورُوي: "للغائط" باللام، والباء، وهما بمعنى. انتهى.