ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه - مبيّنًا مُستنده في وضوئه على هذه الكيفيّة (سَمِعْتُ خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم -) فَعِيل بمعنى فاعل: هو الصَّدِيق، من الْخَلّة، بالفتح: وهي الصداقة، والضم لغة، كما في "المصباح"، وفي "اللسان": قال ابن دُريد: الذي سَمِعتُ به أن معنى الخليل: الذي أصفى المودّة، وأصحّها، قال: ولا أزيد فيها شيئًا؛ لأنها في القرآن، يعني قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، والجمع أخلّاء، وخُلّان، والأنثى خَلِيلة، والجمع خليلاتٌ، وقال الزجّاج: الخليل المحبّ الذي ليس في محبّته خَلَلٌ، وقوله عزَّ وجلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}؛ أي أحبّه محبّةً تامّةً، لا خلَل فيها، قال: وجائز أن يكون معناه الفقير: أي اتّخذه مُحتاجًا فقيرًا إلى ربِّه، قال: وقيل للصداقة خُلّةٌ؛ لأن كلّ واحد منهما يَسُدّ خلل صاحبه في المودّة والحاجة إليه. انتهى (?).
يعني أنه سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (يَقُولُ: "تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ) ولفظ النسائيّ: "تبلُغُ حليةُ المؤمن"، ولفظ ابن حبّان: "تبلغ حِلية أهل الجنّة مبلغ الوضوء".
و"الْحِلْية": - بكسر المهملة، وسكون اللام، وياء مُخفّفة - تُطلَق على السِّيماء، والمراد به هنا التحجيل من أثر الوضوء يوم القيامة، وعلى الزينة، والمراد به ما يُشير إليه قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} [الكهف: 31] (?).
وقال في "اللسان": "الْحَلْيُ" - أي بفتح الحاء، وسكون اللام -: ما تُزُيِّن به من مصوغ المعدنيّات، أو الحجارة، والجمع "حُلَى" - أي بالضمّ - وقال الجوهريّ: "الْحَلْيُ" - أي بفتح، فسكون -: حَلْيُ المرأة، وجمعُهُ حُلِيٌّ، مثلُ ثَدْي وثُدِيّ، وهو فُعُول، وقد تُكسر الحاء؛ لمكان الياء، مثلُ عِصِيّ، وقُرئ {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} [الأعراف: 148] بالضمّ، والكسر، وحِلْيةُ السيف، جمعها: حِلًى، مثلُ لِحْية ولحًى، وربّما ضُمّ. انتهى (?).
والمعنى المراد هنا: أن زينة المؤمن التي يُزيّنه الله تعالى بها في القيامة تبلغ (حَيْثُ يَبْلُغُ) بفتح أوله، وضمّ ثالثه، من باب قَعَدَ، مبنيًّا للفاعل، والفاعل